هل تُجرى الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها، أم يجري التمديد مجدّداً للمجالس البلدية؟ السؤال يطرحه هذه المرة، رؤساء البلديات قبل المواطنين، في ظلّ ظروف عمل صعبة، لم تعد الأكثرية قادرة على الاستمرار فيها. وسواء أجريت الانتخابات، أو لم تُجر، يؤكد المعنيون أن شيئاً لن يتغيّر في هذا الواقع السيّئ، باستثناء إزاحة «هذا العبء» عن كاهل عدد من رؤساء البلديات، وإراحتهم من المسؤولية الكبيرة الملقاة عليهم، ونقلها إلى من قد يجرؤ على تولّي مهمة صعبة وفي وقت حرج، من دون أن يملك شيئاً من إمكانات النجاح.
المجالس البلدية التي انتُخبت في عام 2016، مُدّدت ولايتها عاماً كاملاً حتى شهر أيار المقبل بموجب قانون حمل رقم 285/2022. وبُرّر الأمر في حينه بتزامن موعد الانتخابات مع موعد الانتخابات النيابية، وعدم الجهوزية المادية والبشرية لإنجاز الاستحقاقين. ومع بدء الأزمة الاقتصادية، في النصف الثاني من عمر ولاية البلديات، عانت الأخيرة للقيام بمهام تجاوزت مسؤولياتها في أحيان كثيرة، بعدما تحوّلت هي إلى السلطة الأولى محل الدولة، بدءاً من دورها في التصدّي لانتشار كوفيد ــ 19، وصولاً إلى تبعات الانهيار الاقتصادي على كلّ مرافق الحياة تربوياً واجتماعياً واقتصادياً. في المقابل، بقيت مستحقّاتها تتأخر، فحُوّل نصف عوائد سنة 2020 قبل أيام فقط وفق سعر الصرف القديم. أما الرسوم البلدية فهي بالكاد تُستوفى من المواطنين وأيضاً وفق سعر الصرف الرسمي قبل الانهيار، ويشكو رؤساء البلديات من عدم إجراء تعديلات على معادلات الرسوم التي تستوفيها البلديات وعدم الإتيان على ذكرها في موازنة 2022 . ما يعني بكلام أوضح أن البلديات مفلسة، رغم أنّ لها في ذمة الدولة مستحقات عامين. بعض البلديات لم تستطع الصمود، وقد بلغ عدد المجالس البلدية المنحلّة 85 مجلساً بلدياً يدير أعمالها القائمقام أو المحافظ.

الانتخابات في موعدها؟
كان من المتوقّع أن يبتّ الاجتماع الأخير للجنة «الدفاع الوطني والداخلية والبلديات» النيابية، في قرار إجراء الانتخابات البلدية والتحضيرات المطلوبة لإجرائها، إلا أنّ هذا الاجتماع لم يُعقد بسبب غياب وزير الداخلية بداعي السفر، ما أجّل الموضوع إلى السنة الجديدة بحسب ما يقول رئيس اللجنة النائب جهاد الصمد في اتصال مع «الأخبار».
ويؤكد رئيس بلدية الغبيري معن الخليل، وهو ممثل البلديات في لجنة تحضير الانتخابات، أن جميع رؤساء البلديات يطالبون بحتمية إجراء الانتخابات «اليوم قبل الغد ولا سيما أن كثيراً من البلديات منحلّة وفقدت نصابها، منهم (أي الأعضاء) مَن استقال ومنهم مَن ترك البلد. فيما استجدّت 27 بلدية تنتظر الانتخابات للمرة الأولى، حتى بلغ عدد البلديات حتى أيلول 2022، 1055 بلدية أغلبها يعاني الشلل والتعطيل».
بلغ عدد المجالس البلدية المنحلّة 85 مجلساً بلدياً يدير أعمالها القائمقام أو المحافظ


من جهته، ينقل رئيس بلدية صيدا محمد السعودي عن مصادر خاصة في وزارة الداخلية، التوجه الجدي لإجراء الانتخابات في موعدها المؤجّل، مؤكداً أنّه لن يترشح لولاية جديدة «وإذا مُدّد العمل سنة إضافية لأي سبب فسأستقيل، فالذي يتحدث معك عمره 84 سنة». واصفاً الوضع في بلدية صيدا اليوم بأنّه «يتيح الاستمرار في دفع رواتب الموظفين والقيام بالإصلاحات الضرورية فقط إلى حين إجراء الاستحقاق الانتخابي».

من سيجرؤ على الترشح؟
رئيس بلدية بعلبك فؤاد بلوق أشد تشاؤماً، بالنظر إلى الأحوال التي تزداد سوءاً وقتامة من جنون الدولار بدون وجود سلطة تسأل «بل يدفعون لنا بالقطارة». يشير بلوق إلى أن كلّ العمل البلدي قائم على الدولار «المحروقات والإصلاحات والآليات، كلّ ذلك يتطلّب الفريش دولار فيما حوّلت الوزارة نصف مستحقات عام 2020 وهي لا تكفي رواتبَ ومحروقات لشهر واحد».
أما في ما يتعلق بإجراء الانتخابات، وما ستغيّره في أداء العمل البلدي، فيشير بلوق إلى أن لا شيء سيتغيّر وعلى العكس «لا أتوقع أن يتجرّأ أحد للترشح والتصدي لمسؤولية انهيار دولة. هذا سيجلب له الإهانات والمسبّات من الناس الذين ينظرون إليه على أنه الدولة وبيده العصا السحرية». لافتاً إلى أنه اجتمع بمختلف الشرائح الاجتماعية في بعلبك من تجار وأساتذة وأصحاب مؤسسات طلباً للمساعدة «لكي نستطيع أن نؤمّن المازوت ونجمع النفايات فقط»، ونتيجة سوء الأحوال «اضطررت إلى مخالفة القانون ورفع القيمة التأجيرية على المحالّ لنتماشى مع الوضع رغم أن ذلك يحتاج إلى مراسيم، فماذا يمكن أن أفعل والدولة تخلّت عن البلديات التي تقوم بدور كلّ الوزارات وتركتها بدون مستحقات تواجه الناس».
في السياق نفسه يؤكد رئيس بلدية الشويفات جهاد حيدر أن المليارين اللذين تقاضتهما البلدية بالليرة، والمداخيل التي تصلها على حساب 1500 ليرة، لا تكفي لأيام لبلدية فيها 700 ألف مواطن فيما مصاريف العمل البلدي كلها بالدولار (تصليح آلية، مازوت، صيانة...). ويضيف: «الحكومة تقول لنا بطريقة أخرى، عمرها العالم ما تعيش». بالنسبة إلى حيدر، إجراء الانتخابات المقبلة لا يعني سوى شيء واحد «أنني أخيراً رح فلّ ع بيتي لأن الشغل صار قرفاً»، وبالنسبة إليه، أيّاً من كان سيترشح للتصدي للعمل البلدي هو شخص لا يعرف ماذا يجري في الداخل.
من جهته، يقول رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب إن موازنة بلدية زحلة كانت هذا العام 87 مليار ليرة، ذهبت فقط لتسديد رواتب موظفين وكنس ورفع نفايات المدينة. مشيراً إلى أنه من الممكن الاستمرار في ذلك حتى إجراء الانتخابات في أيار المقبل. «أريد أن تجري الانتخابات لأرتاح من هذه المسؤولية ونشوف مين بده يشيل الزير من البير. نحنا طلّعنا نصفه، لكنه لا يزال في البئر».