اختتم المجلس الوطني للبحوث العلمية أمس الدراسة السّنوية لمخزون السّاحل اللبناني من الأسماك، بعدما قامت سفينة AKDENIZ التركية، المستأجرة من قبل منظمة الأغذية والزراعة FAO، بمسح كامل للساحل، امتد من العريضة شمالاً إلى رأس الناقورة جنوباً بطول 220 كلم. على المركب، الذي أعلنت منه أمس الأمينة العامة للمجلس تمارا الزين اختتام الجولة الثانية من الدراسة، فريق عمل بحثي ينتمي إلى مركز علوم البحار في المجلس، الذي قام بوضع الأسس لدراسة علمية سترسل إلى وزارة الزراعة ما يفيدها في «وضع سياسات خاصة بالوضع الغذائي، سيّما أنّ السّمك طعام أساسي لشريحة كبيرة من اللبنانيين»، بحسب الزين.
تعداد السمك
قامت السفينة، وفريق البحث الموجود عليها، بعمليات صيد في نقاط لا يصل إليها الصيادون أو مراكبهم. ففي حين لا يتخطى الصيادون السبعة كيلومترات في عمق البحر، وصلت سفينة البحث إلى الأربعين كيلومتراً. كما أنّ أبعد ما تصل إليه شباك الصيد من أعماق هو مئة متر، فيما رصدت الدراسة نقاطاً تقع على عمق يصل إلى خمسمائة متر. استخدم الفريق العلمي طريقة «جرف قاع البحر» للاصطياد، وسحب كلّ ما يمكن سحبه، ومن بعدها يجري تعداد أنواع الأسماك الموجودة في هذه النقطة، قياس طولها ووزنها، كما مراقبة دورة تكاثرها. هذا المسح البحري، وفق سمير مجدلاني خبير مصائد الأسماك في الهيئة العامة لمصائد البحر المتوسط GFCM، سيكون في «خدمة وزارة الزراعة لوضع سياسات توجيهية للصيادين واتخاذ قرارات إدارية مناسبة»، ولكن لن تخرج النتائج قبل نحو الشهرين من التحاليل، التي سيجريها الفريق البحثي اللبناني. ويختم مجدلاني كلامه عن «خطة لاستخدام تقنيات بحثية جديدة في السّنوات القادمة تقوم على الرادارات للبحث عن الأسماك».

رسم الصورة
حتى اليوم، وعلى مدى سنتين، قام مجلس البحوث بمسح 60 نقطة بحرية على طول الساحل اللبناني، كوّن من خلالها صورة أولية حول سلّة الأسماك الأساسية في لبنان، وهي تقوم على ثلاثة أنواع: «الجربيدي، السرغوس والسردين». هذه الأنواع لها مردود كبير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
يدخل بحرنا أنواع جديدة من الأسماك بسبب ارتفاع درجة حرارة المياه

في المقابل، تمّ رصد أنواع ليست ذات قيمة اقتصادية، وتثقل شباك الصيادين دون فائدة غذائية مثل «الشلمونة والنفيخة»، إذ بتنا نعرف اليوم أنّها تتواجد فقط على أعماق تُراوح بين 20 و50 متراً، بالإضافة إلى مكامنها، لاحقاً ستوضع خطط توجيهية تساعد الصيادين على تجنّب هذه الأنواع. وعليه، «نقوم بمتابعة الأسماك ذات المردود الغذائي الجيّد لمعرفة كمياتها، كما دراسة دورة حياتها وأشهر تكاثرها» بحسب غابي خلف، المستشار العلمي في المجلس الوطني للبحوث. يشير خلف إلى «تولي مركز علوم البحار هذه الدراسات منذ خمس سنوات، أما قبلها فكان الموضوع عند وزارة الزراعة والصيادين فقط، من دون وجود أي ذراع علمي مساعد»، ويُضيف خلف «قمنا بإرسال طلابنا إلى الخارج للتخصص في علوم السّمك حصراً، فأصبح لدينا أساتذة متخصصين، ولأول مرة اليوم شاركنا البحث طلاب في مرحلة الماجستير».

تغيّر المناخ
تدخل اليوم مياهنا في لبنان أنواع جديدة من الأسماك ليست من «سكانه الأصليين»، بل أتت عند ارتفاع حرارة مياه البحر المتوسط قادمة من البحر الأحمر المفتوح عبر قناة السويس. ومن هذه الأنواع، الأسماك الضارّة، غير المجدية غذائياً واقتصادياً كـ«النفيخة والشلمونة»، وهي تؤثر سلباً على كمية ونوعية الأسماك الموجودة أصلاً في لبنان.
وفي دردشة داخل المركب، لم ينسَ وزير الزراعة توجيه الشكر للجامعة اللبنانية صاحبة الفضل الكبير في تخريج الفريق البحثي العامل في المجلس، سيّما كلية الزراعة مؤكّداً فكرة «التحزّب للجامعة اللبنانية»، فيما أكّدت ممثلة منظمة الأغذية والزراعة على «أهمية التعاون مع القطاع العام، وضرورة تغيير الصورة النمطية، فالمنظمة لا ترى استمرارية للبلد دون الموظفين العامين»، وأضافت بأنّ «المنظمات سترحل يوماً ما، ويبقى القطاع العام».