في وقت «يتمرّد» أقرب حلفاء واشنطن عليها، تزداد الديبلوماسية اللبنانية انبطاحاً أمام الأوامر الأميركية خصوصاً في ما يتعلق بالحرب العالمية التي تُخاض ضد روسيا في أوكرانيا. أول مؤشرات هذا الانبطاح ظهر مع بداية الحرب، مع بيان الخارجية اللبنانية الشهير الذي دان «الاجتياح» الروسي للأراضي الأوكرانية في شباط الماضي، وآخرها مع اتجاه لبنان للتصويت اليوم ضد الاستفتاء الروسي على ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة في ​الجمعية العامة للأمم المتحدة​.فبعدما أفشل الفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي تمرير مشروع قدمته الولايات المتحدة وألبانيا لإدانة الاستفتاءات الروسية التي أجريت في الأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية في أوكرانيا أواخر الشهر الماضي، بدأت واشنطن وعواصم أوروبية عملية استقطاب دولية ضد موسكو للتصويت ضد قرارها ضم مناطق أوكرانية إلى أراضيها. وتُرجِمت هذه الحملة أولاً بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس، برفض طلب روسيا إجراء اقتراع سري في الجمعية التي تضم 193 عضواً على ما إذا كانت ستندد بتحرك موسكو لضم أربع مناطق محتلة جزئياً في أوكرانيا، وقررت بموافقة 107 أعضاء عقد تصويت علني.
من ضمن هذه الحملة، بدأ الضغط على لبنان للالتحاق بركب الرافضين للاستفتاء الروسي، ومورِست ضغوطات على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي تلقى رسالة نصية من السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا تنصحه فيها بـ «احترام مسارات التاريخ وعدم اتخاذ موقف يخالفها». وطاولَ الضغط أيضاً البعثة اللبنانية لدى الأمم المتحدة والسفارة اللبنانية في واشنطن. علماً أن لبنان سبَق أن صوّت لصالح التصويت السرّي، كونه يمنح هامشاً للدول لعدم الالتزام بالموقف الأميركي. ونجحت الضغوطات في إجبار لبنان على اتخاذ موقف مؤيد للأميركيين. وعلمت «الأخبار» أن الاجتماع الذي ضم الرئيسين ميشال عون وميقاتي والوزير بو حبيب في قصر بعبدا، أمس، أقرّ اتجاه لبنان إلى التصويت ضد قرار الضمّ.
مصادر ديبلوماسية روسية أكدت أنه «كانت لدينا معطيات بأن لبنان لن يصوّت مع ضم الأقاليم الأربعة، وأن خياره سيكون إما التصويت السلبي أو النأي بالنفس». وأضافت أن موسكو «تبني موقفها السياسي تبعاً للموقف الذي يصدر عن لبنان، من دون التدخل بظروفه. ليفعل لبنان ما يراه مناسباً لمصلحته، وستفعل روسيا ما تراه مناسباً»، مؤكدة أن «روسيا لا تطلب من لبنان اتخاذ أي موقف من أي قضية». وأكّدت أن «روسيا تعتبر نفسها دولة صديقة للبنان»، لكنها ذكّرت بالموقف اللبناني الذي أعقب بدء العمليات الروسية في أوكرانيا وما «أحدثه من استياء في موسكو»، علماً أنه «لا يعكس إجماعاً لبنانياً».
مصادر معنية استغربت الموقف اللبناني تجاه «دولة صديقة لطالما وقفت إلى جانب لبنان في المحافل الدولية، وتشكّل اليوم قطباً دولياً يخطب حتى حلفاء أميركا العرب ودّها». وسألت: «ماذا سيفعل لبنان حين تقف أميركا كعادتها إلى جانب العدو الإسرائيلي ونكون مضطرين إلى مساعدة روسيا التي صوّتت لمصلحة لبنان في كثير من المناسبات».