أشار وزير الداخلية بسام المولوي الأربعاء الفائت (31 آب) الى ثلاث مشكلات تعاني منها السجون حالياً: الاكتظاظ والطبابة والتغذية. وإذ أكّد أن العفو العام «ضروري لحل أزمة السجون»، ناشد القضاة المساهمة في حل مشكلة الاكتظاظ. أحد التدابير التي اتخذت سابقاً لتخفيف الاكتظاظ كان خفض السنة السجنية الى تسعة أشهر، وها نحن اليوم امام مطالبة بخفضها إلى ستة اشهر... وقد أُرسل مشروع قانون بذلك إلى مجلس النواب لدرسه واقراره. وتؤكد أوساط وزارة الداخلية وأخرى نيابية أن المشروع «قد يحظى بتوافق مختلف الكتل النيابية كبديل من قانون العفو العام»، مشيرة إلى أن تطبيق القانون سيؤدي الى اخلاء سبيل أكثر من ألف سجين، وهو المخرج القانوني الأنسب لمشكلة الاكتظاظ في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر فيها البلد.
لكن، هل يحقّق خفض السنة السجنية بشكل دائم وظيفة العقوبة؟
يفترض ان تكون عقوبة السجن بمثابة تدبير قانوني تجاه الفعل الجرمي. وتهدف قوانين العقوبات الجزائية إلى الردع - خاصاً أو عاماً - وحماية المجتمع وإعادة التأهيل. هدف تحقيق الردع الخاص عدم تكرار الفاعل الفعل الجرمي، فيما هدف الردع العام إعطاء أمثولة للآخرين لردعهم عن ارتكاب الجرائم. ويفترض ان يكون للردع أثر مهم في الحد من تكرار الجريمة.
أما هدف حماية المجتمع فيتحقق لدى حجز حرية مرتكبي الجرائم، وابعادهم عن ضحاياهم المحتملين في حال تكرار الجرم. فيما إعادة التأهيل هي ما يفترض أن العقوبة تهدف اليه سعياً الى إعادة اندماج المرتكب في المجتمع بعد اصلاح سلوكه الجنائي. فإذا ما أقدم المجرم على ارتكاب جريمة وتم خفض السنة السجنية إلى ستة أشهر، فقد يعيد ارتكاب الجريمة نفسها من دون أي رادع حقيقي ما دام الرادع الوحيد أصبح من دون جدوى نتيجة تكرار الجريمة.
لكن ماذا عن استنسابية القاضي؟ هل القاضي ملتزم بحكم الحد الأدنى من العقوبة على السجين؟ إذا ارتكب المجرم جريمة يعاقب عليها بين 5 و10 سنوات، فإن للقاضي الحق بإنزال عقوبة العشر سنوات. يعني ذلك إبقاء مدة العقوبة ذاتها كما قبل خفض السنة السجنية.
قد يكون خفض السنة السجنية الحل الافضل لمشكلة السجون نظراً للأزمة التي يمر بها البلد. لكن هل يبقى ملائماً بعد انقضائها؟

موقوفون في انتظار الحكم
يفوق عدد السجناء المحتجزين في لبنان الحدّ الأقصى للاستيعاب العددي الإداري للسجون. ولا شك أن للاكتظاظ أثراً سلبياً على أوضاع السجون اليوم، مع ارتفاع عدد السجناء وصعوبة تأمين الأساسيات من مواد غذائية وغيرها. في وقت يبلغ عدد المحتجزين في سجون الدولة حوالي 9000، 21% منهم محكومون و79% منهم لم تصدر بعد أحكام قضائية في كل القضايا المتعلقة بهم. هؤلاء موقوفون في انتظار البت بكل دعاواهم، وقد تتم تبرئتهم أو ادانتهم. وفي كلتا الحالتين، غالباً ما يقضي الموقوف داخل السجن فترة زمنية تتخطى المدة القصوى المنصوص عليها في قانون العقوبات بحسب فعله الجرمي.

كيف ذلك؟
بحسب القانون يبقى المتهم موقوفاً منذ جلسة ختام المحاكمة حتى صدور الحكم (المادة 243 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). يعني ذلك ان القانون يلزم بتوقيف المدعى عليه والاستمرار بتوقيفه إلى أن يصدر الحكم بحقه. علماً أن الحكم يتم اصداره في اليوم عينه من ختام المحكمة أو في مهلة اقصاها عشرة أيام (المادة 272 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). إلا أن المدة التي تم ذكرها لا تطبق لأسباب نجهلها وقد تتخطى الأشهر لا بل السنة من دون اصدار الحكم.
وفي سياق بت المحاكمة، إذا أُلقي القبض على شخص بتهمة ارتكابه جنحة مشهودة تستوجب عقوبة الحبس يدّعى على المشتبه به ويُحال إلى القاضي المنفرد ليحاكم أمامه في الحال أو في اليوم التالي (المادة 153 من قانون أصول محاكمات الجزائية). الالتزام بالمدة المحددة في المادة 272 و153 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وإصدار الحكم قد يساعدان في خفض عدد السجناء. علماً أن مشكلة عدم البت في الأحكام ليست وليدة الاعتكاف القضائي اليوم، إذ يعاني القضاء منذ ما قبل عام 2019، وازدادت معاناته بعد جائحة كورونا وتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية والمعيشية، إضافة إلى غياب المكننة ونقص عدد القضاة.

معتكفون عن إخلاء السبيل؟
احتجاجاً على عدم زيادة رواتبهم، أعلن القضاة الإضراب الشامل بعدما باتت كلفة حضورهم إلى المحاكم تفوق رواتبهم، شأنهم شأن كل الموظفين العامين. ولكن، رغم الاعتكاف، لا يزال إعطاء القاضي إشارة التوقيف عبر قائماً، فيما يعتبر القاضي نفسه معتكفاً عن النظر في طلب اخلاء السبيل. ويتقدم المدعى عليه أو وكيله بطلب إخلاء السبيل إلى قاضي التحقيق قبل صدور القرار الظنّي، أي أن لا مدة محددة لتقديم الطلب. ويجوز للقاضي اخلاء سبيل المتهم شرط أن يتضمن الطلب كفالة (المادة 114 والمادة 115 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وإذا لم يتقدم المدعى عليه أو وكيله بطلب، يخلى سبيله بحكم القانون في حالات معينة كالجريمة من نوع الجنحة التي لا تتجاوز عقوبتها الحبس مدة سنتين، ويخلى سبيله بعد خمسة أيام على توقيفه، شرط ألا يكون قد حكم عليه سابقاً بعقوبة جرم شائن او بعقوبة الحبس مدة سنة على الأقل (مادة 113 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
وإذا لم يحكم المدعى عليه سابقاً بعقوبة مدتها سنة على الأقل، لا تتعدى مدة التوقيف شهرين في الجنحة. أما الجناية (ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الارهاب وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية)، فلا يجوز ان تتعدى مدة التوقيف فيها ستة أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل. كما أن لقاضي التحقيق ان يقرر منع المدعى عليه من السفر مدة لا تتجاوز الشهرين في الجنحة، والسنة في الجناية، من تاريخ اخلاء سبيله (مادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
للقاضي الجزائي استنسابية واسعة في إطار المحاكمة والتوقيف واخلاء السبيل نظراً لخطورة الجرائم (من قتل وترويج مخدرات وغيرها) على سلامة المجتمع وأمنه. كما أجاز قانون العقوبات للقاضي تشديد العقوبة بحق المدعى عليه أو تخفيفها.
ولكن، رغم الاعتكاف القضائي لا يزال التوقيف مستمراً، فيما النظر في طلبات إخلاء السبيل غير وارد.
يبلغ عدد المحتجزين داخل سجون الدولة حوالي 9000 نحو 21% منهم محكومون و79% منهم لم تصدر في حقهم أحكام قضائية بعد


قد يكون قرار عدم تخلية سبيل متهم بجريمة قتل أو تعاطي مخدرات مبرراً خوفاً من هروبه أو لحماية المجتمع منه وما قد يشكله من خطرٍ نتيجة الفعل الجرمي. ولكن، هل يمكن عدّ السرقة أو الجرائم المالية والإيذاء أو القتل غير المقصود (كإساءة الائتمان والشيك دون رصيد والإيذاء والقتل الناتج عن حادث سير مثلاً) بنفس خطورة القتل عمداً أو قصداً وتجارة المخدرات؟ ألا يمكن النظر في إخلاء السبيل لمثل تلك الجرائم لتخفيف العبء عن السجون؟

العفو بين العام والخاص
في كل مقابلة أجرتها «القوس» مع محكومين أو موقوفين، كما مع أهاليهم، تتردد العبارة نفسها على كل الألسن: «لا حل إلا بالعفو العام».
يتطلب العفو العام دراسة دقيقة وشاملة، وقبل ذلك الإجابة على السؤال الأهم: هل هو فعلاً الحل؟
يحذر القاضي المتقاعد رئيس غرفة محكمة التمييز سابقاً جوزيف سماحة من خطورة إقرار عفو عام شامل لجميع الجرائم لأنه قد يشكل تهديد للأمن والسلامة العامة. فالعفو العام الذي لا تتم دراسته ومناقشته ويشمل كل الجرائم «في غاية الخطورة على المجتمع الذي سيشهد ارتفاع نسبة ارتكاب الجرائم في بلد يعاني من ازمة اقتصادية ومعيشية صعبة». بالنسبة لسماحة، إصدار مراسيم عفو خاص لحالات معينة هو الحل الأنسب عوضاً عن العفو العام. أما بالنسبة للسجن الذي يفترض أن يعيد تأهيل السجين، فهو بعيد كل البعد عن هدف العقوبة الأسمى وهي إعادة التأهيل. ويوضح سماحة أن عدم تقسيم السجناء بحسب فعلهم الجرمي يعيق مبدأ إعادة التأهيل، «وإإذا ما في محل بالسجن لتقسيم السجناء حسب فعلهم الجرمي، فلتستملك الدولة أو تصادر أملاكاً لتخصيصها كسجون مع مراعاة القوانين والمعايير اللازمة. لا يجوز أن يكون من سرق ومن وزّر ومن قتل ومن تاجر بالمخدرات في الغرفة نفسها». كما أشاد سماحة بدور القاضي الجزائي لتخفيف التوقيف الاحتياطي حسب الجرم، أي عدم التوقيف الاحتياطي للمتهمين في الجرائم المالية والقتل والايذاء غير المقصود الناتج مثلاً عن حوادث السير.

20 عفواً عاماً
صدر في لبنان 14 قانون عفو عام عن مختلف الجنح والجنايات وقوانين عفو عام تشمل مخالفات (نذكر بعضاً منها):

(سجن رومية ــ هيثم الموسوي)

عام 03/12/1946: صدر قانون العفو العام المتعلق بمخالفات السير قبل 01/10/1946.
عام 23/11/1948: صدر قانون العفو العام المتعلق بمخالفات السير قبل22/06/1948.
عام 02/12/1948: صدر قانون العفو العام المتعلق بمخالفة أنظمة الميرة قبل 18/08/1945.
عام 19/10/1949: صدر قانون العفو العام عن الجرائم المرتكبة ما قبل 21/09/1941.
عام 31/08/1951: صدر قانون العفو العام عن المخالفات والجنح غير الشائنة المرتكبة والناشئة عن أسباب انتخابية بين 15/03/1951 و30/04/1951.
عام 23/02/1954: صدر قانون العفو العام عن بعض الجرائم المرتكبة قبل إنشاء المحاكم العسكرية اللبنانية.
عام 24/12/1958: صدر قانون العفو العام عن بعض الجرائم منها جنح والمخالفات المرتكبة قبل 15/10/1958.
عام 24/06/1965: صدر قانون العفو العام رقم 37 عن جرائم المطبوعات المرتكبة قبل 06/05/1965.
عام 16/11/1965: صدر قانون العفو العام رقم 57 عن جرائم المطبوعات قبل 28/10/1965.
عام 14/12/1968: صدر قانون العفو العام رقم 32 عن المخالفات المتعلقة بقانون العمل قبل 01/05/1968.
عام 30/12/1968: صدر قانون العفو العام رقم 34 عن جرائم المطبوعات المرتكبة قبل 31/12/1967.
عام 17/02/1969: صدر قانون العفو العام رقم 8 عن المخالفات وبعض جرائم الجنح المرتكبة قبل عام 1/1/1967.
عام 24/04/1969: صدر قانون العفو العام رقم 14 عن جرائم المطبوعات المرتكبة قبل 01/04/1969.
عام 11/12/1970: صدر قانون العفو العام رقم 15 عن جرائم المطبوعات المرتكبة قبل 17/11/1970.
عام 15/05/1974: صدر قانون العفو العام رقم 7888 عن مخالفات السير قبل 01/01/1974.
عام 24/04/1978: صدر قانون العفو العام 1 رقم 14 عن مخالفات أحكام قانون الضمان الاجتماعي قبل 01/01/1978.
عام 26/08/1991: صدر قانون العفو العام رقم 84 عن الجرائم المرتكبة قبل 28/03/1991.
عام 29/12/1997: صدر قانون العفو العام رقم 666 عن جرائم المخدرات المرتكبة قبل 31/12/1995.
عام 19/07/2005: صدر قانون العفو العام رقم 677 عن سمير جعجع.
عام 19/07/2005: صدر قانون العفو العام رقم 678 عن أحداث الضنية ومجدل عنجر.


«الأسوارة»
لضمان عدم هروب الموقوف المخلى سبيله، لماذا لا يتم وضع أجهزة تعقب شخصية على اليد أو القدم؟ عند تخلية سبيل المدعي عليه يرتدي جهاز تعقب على شكل «اسوارة» تجعل إمكانية تواريه عن الأنظار غير ممكنة. وللقاضي ربط اخلاء سبيله مع ضمانة عدم الهروب أو صعوبة الإقدام على الهروب عبر تحديد محل اقامته ضمن نطاق جغرافي معين. وعند محاولة خلع الأسواره أو الخروج من المنطقة المحدد للإقامة يرسل الجهاز إنذاراً لقوى انفاذ القانون للتحرك وإلقاء القبض عليه. قد تكون تكلفة أجهزة المراقبة باهظة لكن هل الإصرار على عدم تخلية سبيل الموقوفين خوفاً من هروبهم الذين يشكلون عبئاً على السجون نتيجة عددهم الهائل لا يشكل ضغطاً على الدولة من ناحية التكاليف المادية؟


قضاة تفتيش السجون
لا يقتصر دور القضاء على الحكم على المجرم وسجنه فحسب. فالسجن هو مكان تنفيذ العقوبة ويفترض أن يتناسب مع الشروط القانونية والمعايير الدولية. وللقضاء دور في مراقبة جميع سجون الدولة في ما يتعلق بقانونية التوقيف واخلاء السبيل. ويمكن للقضاء عند زيارتهم السجون ان يطلبوا الاطلاع على سجل المسجونين وسجل المحكومين. كما يتفقد قاضي التحقيق مرة واحدة في الشهر ورؤساء المحاكم الجزائية مرة واحدة كل ثلاثة أشهر على الأقل الاشخاص الموجودين في محال التوقيف والسجون بحسب مرسوم تنظيم السجون رقم 14310/49 مادة 15. ويتفقّد كل من النائب العام الاستئنافي أو المالي وقاضي التحقيق والقاضي المنفرد الجزائي مرة واحدة في الشهر الأشخاص الموجودين في أماكن التوقيف والسجون التابعة لدوائرهم بحسب قانون الأصول المحاكمات الجزائية مادة 402.