كلما اقترب موعد انتخاب رئيس جمهورية أو تعيين رئيس للحكومة أو انتخاب رئيس مجلس النواب أو اختيار الوزراء أو القضاة أو المدراء، يرفع البعض شعار {الرجل المناسب في المكان المناسب} (وكأن لا مكان للمرأة {المناسبة})، ظناً منهم ان الحل يكمن في تحديد معيار تقييم الأشخاص المؤهلين لمواقع المسؤولية. لكن التجارب السابقة دلّت الى ان نجاح {الرجل المناسب في المكان المناسب} لا يتعلق بصفاته ومؤهلاته فحسب، بل يشترط العمل الجماعي المشترك والبرنامج القابل للتطبيق وتأمين الموارد اللازمة. مهما بلغت قدرات {الرجل المناسب}، لا يمكنه ان يحقق بمفرده أي إصلاح جدي. وبالتالي ربما يقصد البعض بـ{الرجل المناسب في المكان المناسب} الشخص الذي يحمي مصالحهم الخاصة أو يخدم الفئة التي ينتمي اليها مقابل {رجل مناسب} آخر يخدم الفئة الأخرى في نظام المحاصصة.
ان تحديد {الرجل المناسب} ليكون مدير مؤسسة أو قاضياً أو رئيس مصلحة لأنه يخدم خطاً سياسياً محدداً يؤدي الى خراب ما تبقى من مؤسسات رسمية. فتحديد الخط السياسي للدولة مسؤولية مجلس الوزراء مجتمعاً، ويفترض ان يكون مضمون البيان الوزاري أساس التوجه السياسي للدولة قاطبة، لا ان يسعى المدير العام والقاضي والضابط الى تسخير عمله للسياسات الفئوية.
لا شك في أن مهارات القيادة والإدارة والتخطيط المجتمعة في {الرجل المناسب}، كما الميزات الأخلاقية والنضوج الفكري، جميعها مفيدة وهي تبرر المطالبة بتسليمه موقع المسؤولية. غير ان {الرجل المناسب} لن يقوى على تحمّل المسؤولية في ظل غياب العمل الجماعي المشترك الذي يحتاج الى إرادة وتصميم جماعي صلب وجدي.
ما هي أسباب تعثر الارادة الجماعية المشتركة للإصلاح في لبنان؟
للطائفية والخلافات الفئوية والتدخلات الأجنبية أدوار أساسية، غير ان لانتشار القيم المادية الاستهلاكية الرأسمالية في المجتمع دوراً مدمّراً ايضاً. جمع الثروات المادية يعدّ اليوم انجازاً مركزياً يتم تصنيف الناس على أساسه. صحيح ان المال يتيح الدراسة في اشهر الجامعات الأجنبية ويفتح أبواب الثقافة والفن ويسمح بالاختلاط مع النخبة، غير ان الهوس بمراكمة الثروات المالية قد يطغى على كل شيء آخر.
قد تستدعي الخطوات الأولى للإصلاح في لبنان توفر الإرادة الجماعية المشتركة في المؤسسات، وفي المجتمع بشكل عام، لبناء نظام يخدم المصالح المشتركة على المدى الطويل. {الرجل المناسب} يصبح تفصيلاً لا محوراً تنشغل الأوساط السياسية في تحديده وتتلهّى الوسائل الإعلامية بكشف هويته. وقد لا تحتاج الازمة الحادة التي يمر بها لبنان اليوم الى {ابطال} يستعرضون عضلاتهم او يتباهون بتحصيلهم العلمي وبكفاءاتهم المهنية أو حتى بأخلاقياتهم الرفيعة.
فالفشل يتحمّل مسؤوليته {الرجل المناسب} في معظم الأحيان، فلا امل اصلاً من نجاح الرجل غير المناسب. أما النجاح فهو رهن العمل الجماعي المشترك الذي ينطلق من إرادة جماعية صلبة.
فهل يريد اللبنانيون فعلاً الإصلاح أم انهم يتصارعون على الكراسي والمراكز ليستبدلوا بعضهم بـ{الرجل المناسب}؟