هل للمحكمة الجنائية الدولية صلاحية لملاحقة مرتكبي جرائم دولية في فلسطين اليوم؟أعلنت المدعية العامة الدولية فاطو بنسودا، في 20 كانون الاول 2019، «انتهاء الدراسة الاولية للحالة في فلسطين»، وخلصت الى استيفاء الشروط لفتح تحقيق طبقاً لنظام روما الأساسي، أي ان ثمة أساساً معقولاً للاشتباه بأن جرائم حرب قد ارتكبت وترتكب في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. وقد طلبت بنسودا من الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية إصدار قرار بهذا الشأن للتأكيد بأنها تسير على أساس قانوني متين.

(محمد سباعنة ــ فلسطين)

وفي 5 شباط 2021، قررت الدائرة التمهيدية بغالبية قضاتها أن للمحكمة اختصاصاً للنظر بما يحصل في فلسطين المحتلة من جرائم إذ ان فلسطين دولة طرف في نظام روما الأساسي. ويعني ذلك انها وافقت على الخضوع لأحكام هذا النظام، ومن حقها أن تعامل مثل أي دولة طرف في ما يتعلق بتطبيق نظام روما الأساسي.

(أ ف ب)

ولا بد من الإشارة الى ان اختصاص المحكمة يقتصر على الأراضي التي يحتلها الجيش الإسرائيلي منذ عام 1967، لا سيما غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. ولا يشمل الاختصاص بقية المدن والبلدات الفلسطينية التي تعدها المحكمة الجنائية الدولية جزءاً من «إسرائيل». أما ملاحقة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية وتهجير الآلاف من بيوتهم في حيفا وعكا ويافا وصفد وغيرها من المدن والبلدات فليست من اختصاصات المحكمة الدولية.
الدائرة التمهيدية في المحكمة أكدت في نص قرارها على «حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال في دولته فلسطين على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967».

هل يقتصر التحقيق الجنائي القضائي الدولي على جيش الاحتلال الإسرائيلي أم يشمل فلسطينيين يقاومون الاحتلال؟
أوردت المحكمة الجنائية الدولية ان التحقيق يشمل جرائم تدخل في اختصاصها «ارتكبت على ايدي أفراد من جيش الدفاع الإسرائيلي والسلطات الإسرائيلية وحماس والجماعات الفلسطينية المسلحة». حرفية ما ورد عن المحكمة لافت لعدم توازنه. إذ ان المحكمة تصف جيش الاحتلال الإسرائيلي بـ«جيش الدفاع»، بينما تغفل الاسم الكامل لحركة حماس (حركة المقاومة الإسلامية)، ولا ترد صفة المقاومة في ادبيات المحكمة بينما مقاومة الاحتلال حق يكرّسه ميثاق الامم المتحدة.

هل بدأت تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين؟
القرار في شأن فتح التحقيق او عدمه هو من اختصاص المدعية العامة للمحكمة فاطو بنسودا. علماً ان الدائرة التمهيدية كانت قد ذكرت أن المدعية العامة ملزمة ببدء التحقيق إذا اقتنعت باستيفاء المعايير ذات الصلة التي حددها النظام الأساسي.
وبالفعل أعلنت فاطو بنسودا في 3 آذار 2021 فتح تحقيق «بخصوص الحالة في فلسطين». وأضافت ان التحقيق يغطي «الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والتي يُدَّعى بارتكابها في الحالة منذ 13 حزيران 2014».
ولا بد من الإشارة الى ان نظام روما الأساسي يلزم المدعية العامة بتوسيع نطاق التحقيق ليشمل «جميع الوقائع والأدلة المتصلة بتقدير ما إذا كانت هناك مسؤولية جنائية فردية بموجب النظام الأساسي، وفي إطار ذلك، يحقق في ظروف التجريم والتبرئة على حد سواء».
وفي الوقت الحاضر تركز التحقيقات على تفحص المعلومات الواردة من بعض المصادر المحلية والدولية. ولا بد ان ينتقل فريق التحقيق الى فلسطين خلال الأشهر المقبلة لجمع مزيد من المعلومات والوثائق واجراء مقابلات مع إسرائيليين وفلسطينيين.

هل سبق أن رفضت المدعية العامة الدولية التحقيق في جرائم ارتكبها الجيش الإسرائيلي؟

(أ ف ب)

نعم، رفضت بنسودا البدء في مباشرة التحقيق في جرائم ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق «اسطول الحرية» عام 2010.
وكانت قوة خاصة تابعة للبحرية الإسرائيلية اقتحمت سفينة «مافي مرمرة» وقتلت، داخل المياه الدولية، 9 من المتضامنين المدنيين الـ 581 الذين كانوا على متنها وجرحت 55.
وقالت المدعية العامة الدولية يومها: «رفضت البدء بمباشرة التحقيق لعدم وجود أساس معقول للسير قدماً بعد أن أجرينا تقييماً لمعايير نظام روما الأساسي بعيداً عن العواطف». وقد أصرت على رفضها حتى بعد طلب الغرفة التمهيدية منها إعادة النظر بقرارها عام 2015 إثر تلقيها طلب مراجعة من قبل اتحاد جزر القمر (احدى السفن المستهدفة كانت تحمل علم جزر القمر).

بما ان «إسرائيل» لم توقع على اتفاق روما الأساسي، هل يمكن للمحكمة الدولية اخضاعها لاختصاصها القضائي؟

(أ ف ب)

كلا. يقتصر التحقيق على الافراد، لا الدول. ولا التزامات للدول غير الموقعة على اعلان روما تجاه المحكمة الجنائية الدولية. الا ان المدعية العامة قد تخضع «مواطنين إسرائيليين» لاختصاص المحكمة «في ظل ظروف معينة».
فللمحكمة الاختصاص في الحالات التي يكون فيها مواطن من «دولة» غير موقعة على اعلان روما (إسرائيل) عندما يكون مسرح الجريمة في أراضي دولة موقعة على اعلان روما (فلسطين).

كيف رد العدو الإسرائيلي على قرار المحكمة الجنائية الدولية فتح التحقيق؟
دان العدو الإسرائيلي قرار المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في فلسطين واعتبره «قراراً سياسياً» يندرج ضمن «الإفلاس الأخلاقي والقانوني»، وفق ما ورد في بيان وزارة الخارجية الإسرائيلية. وختم البيان بأن «إسرائيل ستتخذ كل الخطوات اللازمة لحماية مواطنيها وجنودها من الاضطهاد القانوني».


4 جرائم دولية: نظام روما الأساسي (1998)

أنشئت المحكمة الجنائية الدولية على أساس «نظام روما» الذي وقعت عليه 123 دولة. ويتضمن النظام الأساس القانوني وآلية عمل المحكمة ومراجعها وقواعدها. ويعدد النظام الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة وهي أربع، نعدّدها في الآتي ونحدد الجرائم التي يتبين لنا، بشكل اولي، ان العدو الإسرائيلي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني:

1. جريمة الإبادة الجماعية تعني أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد اهلاك جماعة قومية او اثنية او عرقية أو دينية:
■ قتل افراد الجماعة
■ الحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة
■ إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً
■ فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة

2. الجرائم ضد الانسانية: يشكل أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الانسانية:
■ القتل العمد
■ الإبادة
■ إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان
■ السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية
■ التعذيب
■ اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس أو لأسباب أخرى
■ الاختفاء القسري للأشخاص
■ جريمة الفصل العنصري
■ الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية

3. جرائم الحرب وتعني الآتي:
■ الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف (1949) بمعنى أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة:
- القتل العمد
- التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية
- تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة
- إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة
- تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية
- الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع
- أخذ رهائن

■ الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة:
- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية
- تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية
- تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام
- تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة
- مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية
- قتل أو جرح مقاتل استسلم مختاراً يكون قد ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع
- قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها أو أبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها
- تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية والآثار التاريخية والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى
- تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورات الحرب
- إعلان أن حقوق ودعاوى رعايا الطرف المعادي ملغاة أو معلقة أو لن تكون مقبولة في أية محكمة.
- نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة
- استخدام الغازات الخانقة أو السامة
- استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد أو أساليب حربية تسبب بطبيعتها أضراراً زائدة أو آلاماً لا لزوم لها
- الاعتداء على كرامة الشخص وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة

4. جرائم العدوان
تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكم يعرف جريمة العدوان ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها في ما يتعلق بهذه الجريمة، ويجب أن يكون هذا الحكم متسقاً مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة.