تطبيع العلاقات والتبادلات مع جهة متمادية في تعدّياتها على الآخرين هو تشجيع على استمرار هذه التعديات، لا بل تحفيز لتكثيفها، خصوصاً إذا كان المطبّع من ذوي الضحية. ان استقبال زوار إسرائيليين في بعض الدول العربية بحفاوة وود لا يحظون بهما حتى في الدول الغربية، يدفعهم الى رفع وتيرة العنف والقتل والتنكيل والتهجير بحق الشعب الفلسطيني. في هذا الشهر الفضيل الذي كان يتعامل معه الإسرائيلي سابقاً بحذر شديد لعدم اثارة غضب المسلمين ولتجنب التضامن الإسلامي الدولي مع المرابطين في المسجد الأقصى وحماة قبة الصخرة، بات الجيش الإسرائيلي مطمئناً إلى ان «الأصدقاء» العرب والمسلمين يعتبرون ما يحدث اليوم في القدس الشريف بـ«الطبيعي».
طبيعي أن يقتل الناس في الشوارع يومياً ويخطف المستعربون عشرات الشبان والمراهقين من أحضان أمهاتهم. طبيعي ان يضرب عناصر الجيش والشرطة الإسرائيلية النساء والشيوخ والشباب الذين يتجمعون بعد الإفطار في باب العامود وفي باحات الأقصى. طبيعي ان يُحشر آلاف البشر في سجون القهر بعد اخضاعهم للتعذيب النفسي والجسدي والجنسي خلال استجوابهم. طبيعي ان تُشيّد آلاف المستوطنات على أنقاض القرى والبلدات الفلسطينية، وطبيعي ان تصادر الأراضي الزراعية وتقتلع أشجار الزيتون المعمّرة وتمحى معالم الأرض لتزول عنها آثار أصحابها بالكامل.
التطبيع مع العدو الإسرائيلي يتمدد ويطرق ابواب بلدنا وعاصمتنا التي لم تداوِ نفسها تماماً بعد اغتصابها عام 1982 على يد جيش العدو وشركائه


لا عجب في ان يرى بعض العرب في ذلك امراً طبيعياً يسهّل عليهم التطبيع مع المعتدي الإسرائيلي. فالوطن العربي والعالم الإسلامي بشكل عام في حال انحطاط أخلاقي وفكري وقيمي، حيث بات الغرب الاستهلاكي مرجعاً اساسياً وحيداً لهم، وبات معيار النجاح تكليف شركة أجنبية ببناء أطول ناطحة سحاب أو دفع الملايين لحفل عارضات أزياء في الصحراء أو التباهي بركوب سيارات فخمة وبمظاهر الثراء المادي. فلا عجب في ان يضحّي هؤلاء بفلسطين وشعبها وبالمقدسات الإسلامية والمسيحية وقبل كل ذلك بقيم العدل والانصاف، مقابل الراحة والاستجمام واشكال العمران والتطوّر السطحية التي تصنّعها لهم آلاف الشركات الأجنبية. ولا عجب ان يكون استرضاء الغرب بالنسبة لهؤلاء أولى من احترام الإرث التاريخي والهوية القومية العربية والقيم الإسلامية والمسيحية التي تدعو الى احقاق الحق.
التطبيع مع العدو الإسرائيلي يتمدد ويطرق ابواب بلدنا وعاصمتنا التي لم تداوِ نفسها تماماً بعد اغتصابها عام 1982 على يد جيش العدو وشركائه. فهل تسكت مغتصَبة؟ هل نتخلّى عن حقوقنا الأساسية مقابل المساعدات المالية الغربية؟ هل يطلب منا البنك الدولي ان نتجاهل الاعتداءات على القدس مقابل الكهرباء 24 ساعة في بيروت؟ هل المطلوب تحويل البلد الوحيد الذي ما زال يواجه العدو الإسرائيلي الى رهينة بيد مصرف دولي تتحكم به أكثر الدول الداعمة للعدو الإسرائيلي؟