يختبر البعض الصيام للمرة الأولى، معظمهم أطفال دخلوا سنّ التكليف الشرعي (9 سنوات للفتيات، والفتيان في سنّ البلوغ)، أو يستبقونه متحضّرين للالتزام بفريضة الصوم طيلة أيام شهر رمضان كما حدّدها الإسلام. زين (11 عاماً) جرّب الصّيام يوماً واحداً في العام الماضي، هذا العام قرّر صيامه كاملاً. تقول والدته ليلى شاهين إن "حماسته للصيام تعود لتأثّره برفاقه الصائمين بالدرجة الأولى، إلى جانب الأجواء الرمضانية التي تعمّ المنزل". لا يشكو زين تعباً، جوعاً أو عطشاً، إلا أن ليلى تلاحظ جيداً عطشه من خلال لهفته على كوب الماء البارد عندما يحلّ موعد الإفطار، مثلما تلاحظ جوعه لكثرة ما يسأل: "شو الإفطار اليوم؟".
اهتمام زائد
يحصل الصائمون الجدد على اهتمام خاص في البيت و"بصير الكلّ بدو رضاهم"، مثل فاطمة (9 سنوات) التي تخصّص لها والدتها، نور، الطعام الذي تشتهيه وتخلق لها المحفّزات على مائدة السحور، "أقطّع الخُضر وأضع الفواكه المجفّفة التي تحبها". ففاطمة كغيرها من الصائمين عموماً، والصائمين حديثاً، تجد صعوبة في الاستيقاظ من نومها وتناول الطعام ليلاً. ويحصل أن ينسى هؤلاء لوهلة أنهم صائمون، فيأكلون أو يشربون، ثم يصرخون: "يي، أنا صايم". معظمهم، يقضون أوقاتهم في المدرسة واللعب. وعندما يقترب موعد الإفطار، يتكرر السؤال ذاته: "متى يؤذّن؟".
تحاول بعض العائلات تشجيع أولادها على الصيام بشتى الطرق. مايا حضّرت لشهر رمضان قبل فترة وجيزة، فعلّقت الزينة الرمضانية، ووضعت مسابقات دينية لأولادها الثلاثة، الأكبر في العاشرة من عمره والأصغر في الثامنة، عدا روزنامة لتجمع النقاط كلما مارسوا أعمالاً عبادية كالصلاة والصوم وتلاوة القرآن والدعاء ثم تكافئهم بهدايا في العيد على قدر النقاط التي جمعوها. وتبرّر: "كما نحتفل بميلاد المسيح، يجب أن نمارس طقوسنا كمسلمين خصوصاً في شهر رمضان، وهذا يشجّع الأولاد على الصيام". سكنها في دولة الكويت الإسلامية ساعدها في ذلك، "فهنا جميع المطاعم مقفلة، والمفطرون لا يأكلون في المناطق العامة، حتى المدارس تختصر الدوام وتقلص الدروس". لكن درجة الحرارة المرتفعة في الكويت والتي تتعدّى 40 درجة مئوية "تصعّب صيام الأولاد وتزيد من شعورهم بالعطش".

مفطر بتقرير طبّي
في المقابل، يختبر البعض أوّل شهر رمضان لهم من دون صيام. في البداية، لم يتقبّل مصطفى (50 عاماً) أن يفطر كما طلب منه الطبيب. فمنذ أن كان في العاشرة من عمره "ما عملت هالعملة"، كما يقول. "مستحيل"، قال لعائلته في البداية. ثم "رضخ لما يتطلّبه واقعه الصحي"، وطلب من طبيبه، ممازحاً، تقريراً طبياً "لأعطيه لربي يوم القيامة"! يشعر بغرابة عندما يأكل نهاراً بينما تحضّر زوجته طعام الإفطار لبقية أفراد العائلة. وعندما يحين موعد الإفطار، ينهي طعامه، ويقول كما لو أنه كان صائماً: "وهيدا نهار جديد قطع... متى العيد؟".
يأكل "المحرومون من الصيام" ويشربون "سرقة بسرقة" أمام الآخرين، خجلاً منهم. فهم من جهة يشعرون بأنهم "يرتكبون جرماً، وصكّ البراءة غير ظاهر للعيان"، ومن جهة ثانية يقدّرون جوعهم وعطشهم اللذيْن لطالما اختبروهما. هكذا يغدون صائمين ومفطرين في آن. لمى، مثلاً، حامل في الشهر الثامن، لم تصم هذا العام خوفاً على صحتها وصحة الجنين، لكنها لا تتناول إلا القليل من الطعام قبل أخذ حبة الدواء، وتنتظر زوجها ليفطرا معاً. تصف شعورها كمفطرة خلال شهر رمضان لأوّل مرة منذ أن كانت في السادسة من عمرها "بالمَقيت". حاولت أن تجد "حيلة" للتخلص منه، واتصلت بمكتب الوكيل الشرعي لمرجعها الديني، فأخبرها أنها "مأثومة إذا كان الصيام يضرّ بصحتها أو بصحة الجنين ونموّه".