تحدق سيدة خمسينية في جدران غرفة الانتظار وتبدو ملامح الخوف على وجهها. تلمح ممرضاً من بعيد. تتوجه نحوه بسرعة لتسأله عن وضع ابنتها التي لم يمر على إدخالها غرفة العمليات الجراحية في المستشفى أكثر من ربع ساعة. لا شيء يمكن أن يبدّد قلق الأم مع أن العملية بسيطة والجرّاح مشهود له والمستشفى عريقة. فعوضاً عن قلق الأهل التقليدي على أولادهم تشكل قضيتا الطفلتين إيلا طنّوس وصوفي مشلب مصدر توتر وقلق إضافي.
كانت وسائل الإعلام قد نشرت أخباراً وتقارير عدة عن القضيتين، ما أثّر سلباً على سمعة المستشفيات والأطباء في لبنان. وانتشرت بين الناس روايات عن أخطاء مقصودة بحق المرضى واعتداءات عدّها البعض موصوفة على حقوق المرضى في المستشفيات. وبطبيعة الحال جذبت تلك الروايات كثيراً من الناس، واتّهم بعضهم العاملين في القطاع الطبي بالفساد وسوء النيّة.
وبالتالي، لا يقتصر القلق السائد على ذوي المرضى بل يشمل الأطباء أيضاً. فالحكم القضائي الذي أدان زملاءهم كان صادماً بالنسبة إليهم. ولا شك أن عدداً من الأطباء باتوا يترددون في قبول معالجة بعض المرضى خصوصاً الأطفال الذين يعانون أمراضاً خطيرة قد تستدعي عملية جراحية خطيرة.
المستشفيات تشكي نقص الموارد المالية والبشرية، وقد هاجر أطباء كثيرون إلى دول الخليج، لكن عدداً لا يستهان به منهم بقوا هنا، وما زالوا يتمسكون بالقيام بعملهم وعلاج المرضى بشكل يتناسب مع المعايير المهنية والأخلاقية والقانونية.
وتيرة قلق هؤلاء كما المرضى وذويهم، مرتفعة في بلد يعاني من قضاء عاجز وغير قادر على السير في المحاكمات العادلة.
الخطأ الطبي يحصل في كل دول العالم وفي أفضل المستشفيات. أكثر الأطباء كفاءة وخبرة يرتكبون أحياناً أخطاء ليس بسبب سوء النية او قصد الأذية بل أولاً لأن «لا أحد معصوم عن الخطأ»، وثانياً لعدم توفر بعض الموارد المادية والبشرية والتنظيمية المناسبة، وثالثاً لأن بعض العاملين في القطاع الطبي، كما في غيره من القطاعات، لا يعملون بالجدّية المطلوبة، ورابعاً لصعوبة نجاح التدخل الطبي في بعض الحالات المستعصية أو لعدم ظهور إشارات واضحة تدل على وجود خطر يتهدد حياة الانسان رغم الفحوصات المخبرية وصور الأشعة وغيرها من وسائل المعرفة التي تبقى محدودة رغم التطور التكنولوجي.
الموضوع قد يستدعي الاتفاق الشامل على معالجة جراحية للتعامل المسؤول مع الأخطاء الطبية في لبنان بين وزارة الصحة ونقابة الأطباء والقضاء والبرلمان ووسائل الإعلام. ولا بد من التشديد على حسن النية. فمهما تعددت القوانين والأنظمة ومهما تطورت وسائل المراقبة والتعقب تبقى علاقة الثقة بين الطبيب والمريض انطلاقاً من حسن نية الطبيب هي الأساس. وتعالج بالتالي الأخطاء بعدل وإنصاف، ويكرَّس الحرص على سلامة المرضى وعلى سمعة المستشفيات والأطباء وسائر العاملين في القطاع الصحي في بلدنا المريض.