أثيرت شكوك بعد وفاة المريض. كّلف طبيب شرعي، بناء على إشارة القضاء المختص، لتشريح الجثة وأُخِذت عينات دماء من المتوفي لتحليل السموم بعد الوفاة. أجرى الخبراء التحاليل اللازمة، واكتشفوا أن وفاة المريض كانت بسبب جرعة مميتة من المورفين. لضمان التحقيق الكامل في هذه الوفيات، ومن أجل تحديد ما إذا كانت الوفاة بسبب خطأ طبي أو فعل متعمّد، من المفترض أن يستجيب المحققون الجنائيون للمشهد الأولي للوفاة أينما حدثت، الأمر الذي يسمح لهم بفحص المسرح بدقة، وتوثيق المشهد بالصور، وتدوين الملاحظات الخطية للإجابة عن أسئلة مختلفة، على سبيل المثال: من أعطى الجرعة؟ أي ساعة؟ كيف كان الوضع الصحي للمريض قبل ذلك؟ وهل كان مراقباً بعد تلقّيه الجرعة؟ بعد ذلك تُشرّح للجثة، من أجل تحليل السموم لاستنتاج ما إذا كانت المواد الموجودة في العينات الجرعة المحددة الموصوفة من الطبيب المعالج، وما إذا كانت تناسب المعايير الطبية وحاجة المريض الطبية.يلعب الطب الشرعي دوراً أساسياً خلال التحقيقات الجنائية في الممارسات الطبية الخاطئة. وفي الحالات التي تؤدي إلى الوفاة يكون لتشريح الجثة الدور الأهم في معظم الأحيان في التقييم والوقاية من الأخطاء الطبية. من المفترض أن يحدد التحقيق الجنائي في حالات «سوء الممارسة الطبية المميتة» سبب وفاة المريض وأن يحلل جميع تصرفات المعنيين من أطباء، وممرضين، وممرضات، والطاقم الإداري، وكل من كان لديه تعاطٍ مباشر أو غير مباشر مع المريض. فيخلص التحقيق الجنائي لتحديد العلاقة السببية بين وفاة المريض وسوء الممارسة المحدد.
أما في الحالات الأخرى التي لا تنطوي على وفاة المريض، بل أدت الأخطاء الطبية الى إصابات أوعاهات، يجري الاستعانة بالخبراء في العلم الجنائي الوبائي. في هذه القضايا، تعيّن المحكمة خبيراً جنائياً متخصصاً في سوء الممارسة الطبية لتقديم رأي علمي بشأن أي آثار جانبية ضارة من علاج مرض أو إصابة، أو لاستنتاج ما إذا كانت الإصابات او العاهات نتيجة لسوء الممارسة الطبية. تكون مهمة الخبير الجنائي أولاً مراجعة جميع السجلات الطبية للمريض، بما في ذلك السجلات المتعلقة مباشرة بالأحداث التي ربما أدت إلى سوء الممارسة الطبية، وأي سجلات طبية سابقة تتعلق بالحالة التي كنت تُعالَج في وقت الاشتباه في سوء الممارسة. ثانياً، إبداء رأي «جنائي وبائي» يختلف عن الرأي «السريري» لسبب الإصابات أو الوفاة التي يقدمها عادة الفاحص الطبي أو الطبيب الشرعي. ثالثاً، شرح المعلومات والمصطلحات الطبية المعقدة بطريقة مبسطة، يمكن للشخص العادي فهمها.
بالإضافة الى ذلك من المفترض الأخذ بعين الاعتبار، أن هناك شكاوى كيدية تنتج عن أسباب شخصية أو قلة الثقافة أو لأسباب أخرى. ففي هذه الحالات، يكون الخبير الذي كلفته المحكمة قادراً على تحديد ما إذا كان الضرر ناتجاً عن الإجراء الطبّي أم لا. وللطبيب الحق في رد اعتباره من أي شكوى كيدية ترفع ضده. ولا شك أن اللجوء للتحقيقات الجنائية العلمية يساهم في كشف المسببات الفعلية للوفاة بشكل حاسم في معظم الحالات.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره


العلم الجنائي الوبائي
يختلف تقييم العلم الجنائي الوبائي (Forensic Epidemiology) لسبب محدد لإجراء طبي (بسبب إهمال أو خطأ) عن «التقييم السريري» للسببية. الأول يركز على تحليل ومقارنة نسبة المخاطر بناءً على التقدير الكمّي لخطر «الإصابة أو المرض أو الوفاة» المرتبط بالإجراء الطبي (الإهمال، الخطأ) الذي تم التحقيق فيه، مقابل مخاطر «الإصابة أو المرض أو الوفاة» في حالة عدم التعرض للإجراء الطبي. بينما يركز التقييم السريري على التشخيص التفريقي differential diagnosis وتاريخ المريض لتقييم سبب الإصابة أو الوفاة.

البحث عن السبب
تلعب "السببية" دوراً محورياً في تقييم الإجراءات القانونية التي تنطوي على ادعاء بالإهمال أو الخطأ الطبي. بمجرد التأكد من حدوث «إجراء» محتمل بسبب الإهمال أو الخطأ، وأن هناك نتيجة صحية معاكسة قد اتبعت هذا الإجراء، هناك سؤالان من المفترض أن يجيب الخبير عنهما.
◄ أولاً، تحديد إذا كان الإجراء المزعوم مرتبطاً بشكل معقول بالنتيجة المعاكسة.
◄ ثانياً، إثبات أنه على الأرجح- على أساس أكثر احتمالاً (احتمال> 50٪) - أنه في حالة عدم التعرض لهذا «الاجراء»، لم تكن النتيجة قد حدثت للمريض.
يمكن لخبير جنائي متخصص في سوء الممارسة الطبية تقديم رأي علمي بشأن أي آثار جانبية ضارة من علاج مرض أو إصابة، أو لاستنتاج ما إذا كانت الإصابات و العاهات نتيجة لسوء الممارسة الطبية


شكّ معقول زمنياً
من أهم المعايير التي يجري التحقيق بها هي المعقولية الزمنية، فكلما زاد الوقت بين التعرض للخطر المشتبه به (أو الإجراء الطبي الذي يجري التحقيق فيه) وظهور الأعراض، زاد احتمال وجود مخاطر أو أسباب بديلة – عن الإجراء الطبي المشتبه به - لتكون بمثابة سبب الإصابة. كمثال، الموت غير المبرر للمريض الذي يحدث بعد 3 أيام من تلقي حقنة أفيونية لا يرتبط بشكل معقول بالحقنة، لأن الجسد يزيل المادة الأفيونية بعد ما يقرب عشر ساعات. وفي هذه الحالة، سيكون الموت خارج نطاق التأثير الزمني المعقول للدواء.

3 أدلّة تحت المجهر
◄ السجلات الطبية:
السجلات هي فئة الأدلة الأكثر أهمية في تحقيقات سوء الممارسة الطبية. يمكن أن تتضمن السجلات ملاحظات عن حالة المريض من الطبيب المعالج وأوراق الخروج من المستشفى وخطط العلاج والملاحظات الجراحية وأفلام التصوير المقطعي والتصوير بالرنين المغناطيسي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون لهذه المستندات حماية خاصة وأن يحافظ عليها من العبث.
◄ الخبير الشاهد:
الذي تعيّنه المحكمة، لتقييم إذا كانت الإصابة أو الوفاة هي نتيجة الإجراء الطبي، وبالتالي الشهادة على التقصير أو عدمه في الإجراء أو مخالفة الأصول العلميّة والمهنية والقانونية.
◄ الأدبيات والمقالات الطبية:
في بعض الحالات، يمكن للشهود الخبراء الاعتماد على المقالات الأكاديمية العلمية المنشورة في المجلات البحثية الطبية. يمكن أن توضح هذه المقالات كيفية التعامل مع حالة معينة، وأحدث خيارات العلاج وأحدث الاكتشافات العلمية.



74.5 مليون دولار
قيمة تعويض لأسرة بسبب الإهمال الطبي في كاليفورنيا، حيث فشل الأطباء في ولادة الطفل بشكل صحيح، فالطبيب المسؤول لم يستخدم الملقط أثناء الولادة وفشل في تقييم الانقباضات. نتيجة لذلك أصيب الرضيع بشلل دماغي


المنطق وحده غير كاف لتحديد الأسباب


على عكس الحالات في ممارسة الطب الشرعي، حيث يكون الغرض الأساسي من الكشف على الجثة هو تحديد طريقة وسبب الوفاة، وتكون هناك درجة عالية من الارتباط بين التشخيص وسبب الوفاة، يتم تحديد «السببية» بسهولة كمسألة منطقية، لأن الدرجة العالية من الارتباط للعلاقة السببية تميل إلى استبعاد أسباب أخرى كالإهمال الطبي أو الأخطاء المتعمدة. في مثال جرح طلق ناري في الرأس، تكون السببية واضحة لأن مثل هذه الإصابات تكون قاتلة دائماً تقريباً، واحتمال حدوث سبب بديل للوفاة يتزامن مع وقت الإصابة بطلق ناري منخفض للغاية في معظم الظروف.
بالمقابل، لا يمكن تحديد سبب الوفاة لدى مريض مصاب بالالتهاب الرئوي، وانسداد الشريان التاجي الأيسر بنسبة 80٪، والذي حصل على حقنة مخدرة في الوريد قبل 30 دقيقة من دخوله في توقف التنفس، والأهم أنه لا يمكن تحديده على أنه مسألة منطقية. في مثل هذه الظروف، فإن التحليل السببي الوحيد الذي يمكن أن يسفر عن نتائج صحيحة وقابلة للتكرار هو تقييم ومقارنة مخاطر الوفاة المرتبطة بكل سبب من الأسباب المعقولة. هذا الشكل من التحليل السببي ضروري بسبب درجة منخفضة نسبياً من الارتباط بين الوفاة والسبب.