في مقر حراك 17 تشرين في صيدا، ضرب لنا الشيخ محيي الدين عنتر موعداً. صاحب التاريخ الطويل في حراك «رفع المظلومية عن أهل السنّة»، انتهى مرشحاً لـ«الثوار» في دائرة صيدا ــــ جزين لـ«رفع المظلومية عن كل مواطن لبناني». يمضي عنتر إلى معركة التغيير بأسلحة مدنية، مستثمراً خلفيته الدينية من مقاوم في الجماعة الإسلامية، إلى منخرط في هيئة علماء المسلمين قبل أن يبتعد عنها. أول إنجازاته التغييرية خلال حملته الانتخابية «إفشال مخطط تبنّي الهيئة لمرشحي الجماعة للانتخابات النيابية المقبلة في تكرار لما حصل في انتخابات 2018، لأن تمثيل الساحة السنّية لا يقتصر على مكوّن واحد».يمثل عنتر نموذجاً للمعترضين على «احتكار الجماعة الإسلامية لتوجّهات الهيئة التي تأسست من مشايخ من جميع الأطراف وكثيرون منهم من المستقلين». يتحدث عن جلسة حوار في الإطار نفسه، عقدها قبل أيام مع الأمين العام للجماعة عزام الأيوبي، وعن لقاء آخر مع أحد رموز التيار السلفي في الهيئة الشيخ سالم الرافعي، ناقلاً عن الأخير رفضه تحوّل الهيئة إلى ماكينة انتخابية لمرشحي الجماعة التي استقال منها عام 2002. لكن ماذا عن رئيس الهيئة الحالي ابن صيدا الشيخ خالد العارفي؟ حوارات عنتر لم تشمل «أبو العطاء». يلمح إلى أنها من من دون جدوى لأنه «قيادي في الجماعة وملتزم بقراراتها التنظيمية»، لذلك «نعمل على تشكيل تيار إسلامي عابر للمناطق، ضمن ناشطي حراك 17 تشرين، على أن يجري الإعلان عن تسميته بعد الانتخابات».
تتماهى الأفكار الإسلامية التي يطرحها عنتر مع أفكار مدنية، منتجة «خلطة» قد لا تقنع كثيرين من الإسلاميين والمدنيين على السواء. يقرّ بأنه يخرج عن الخطوط الحمر للأطر التي عمل فيها سابقاً من الجماعة إلى الهيئة، لكنه يجد في طروحاته «نسخة مطوّرة لما يجب أن يكون عليه كل إسلامي يعيش في كنف دولة متنوعة». يستطرد: «ما من مسلم لا يحلم بقيام الدولة الإسلامية، إنما واقعياً الأمر مستحيل، وهذا ما أثبته الربيع العربي ومراجعة تجربة الإسلام السياسي».
كان عنتر عضواً في هيئة العلماء عندما انضم منذ اليوم الأول إلى ساحة حراك إيليا خلال أحداث 17 تشرين. نصب مع «أحرار صيدا» و«شباب المساجد» خيمة لا تزال قائمة حتى الآن، «لأننا وإن كنا إسلاميين، لكننا أبناء هذا المجتمع ونتأثر بفساد هذه المنظومة». في تقاطع إيليا، احتكّ بمكوّنات علمانية وعروبية ومستقلة جعلته يعدل من خطابه المذهبي ويحاول نقل مراجعته ونقده الذاتي إلى الهيئة. «بالخطاب الإسلامي لا أستطيع أن أغيّر»، قال. بعد رفعه شعارات «مظلومية أهل السنّة» و«ملف المعتقلين الإسلاميين»، أضاف إليها «إلغاء الطائفية السياسية».
بعد رفعه شعارات «مظلومية أهل السنّة» أضاف إليها «إلغاء الطائفية السياسية»


اصطدم عنتر الجديد بمحاذير الهيئة ومثيلاتها في الساحة السنية، مذكّراً بأنه في الأساس تمايز عن السقف العالي المتشدّد الذي شاب مواقف الهيئة، لا سيما تجاه الأزمة السورية وملفات معركة عبرا وأحداث طرابلس. «نحن أبناء البيئة الإسلامية ولا نخرج من ثوبنا. لكن هناك أخطاء حصلت من قبل الشيخ أحمد الأسير وكثير من الشباب الإسلامي في مقابل استباحة من القوى الأمنية». ينفي عن نفسه خطاب التحريض والفتنة رغم اقتناعه الدائم بـ«المظلومية»، «لكننا لم نذهب بعيداً كما ذهب غيرنا وكنا نحاول فرملة السقف العالي للبعض». سبب آخر لاصطدام عنتر وآخرين مع الكتلة النافذة في الهيئة، انتقاد تيار المستقبل واتهامه بـ«تحريض الشباب السنّي على حزب الله والعمل الأمني في مقابل تحريض القوى الأمنية ضدهم لرفع أسهمهم الشعبية».
قبل أقل من سنة، علّق عنتر عضويته في الهيئة بسبب «هيمنة الجماعة على قرارها، فيما كان الهدف من تأسيسها جمع شتات المشايخ». يؤكد أنه خرج مرغماً كما خرج إخوان له سابقاً في استحقاقات عدة منها من المستقلين والقضاة وهيئة نصرة القدس وفلسطين. أخيراً، عُرض عليه تأسيس تشكيل جديد بوجه دار الفتوى والهيئة، و«رفضت لأنه يكفينا شرذمة». لا يأسف عنتر لاعتزال الرئيس سعد الحريري السياسة: «يجب أن تكون فرصة للتغيير في الساحة السنية». ويجزم بأن خطابه الإسلامي المدني سيجذب الكثير من أهل السنّة من المتسرّبين أو الممتعضين من الحريرية والجماعة وسائر الحركات الإسلامية.