قواعد ترسيم الحدود البحريّة الدوليّة بين الدول المتقابلة (لبنان- قبرص مثلاً) أو المتلاصقة (لبنان-فلسطين المحتلّة مثلاً) مدوّنة في المواد 15، 74 و83 من اتّفاقيّة الأمم المتّحدة لقانون البحار (UNCLOS) والتي تعكس العرف الدولي في هذا المجال.
المادّة 15 من اتّفاقيّة الأمم المتّحدة لقانون البحار
"حيثُ تكون سواحل دولتين متقابلة أو متلاصقة، لا يحقّ لأيّ من الدولتين، في حال عدم وجود اتّفاق بينهما على خلاف ذلك، أن تمدّ بحرها الإقليمي الى أبعد من الخطّ الوسط الذي تكون كلّ نقطة عليه متساوية في بعدها عن أقرب النقاط على خطّ الأساس الذي يُقاس منه عرض البحر الإقليمي لكلّ من الدولتين. غير أنّ هذا الحكم لا ينطبق حين يكون من الضروري بسبب سند تاريخي أو ظروف خاصّة أخرى تعيين حدود البحر الإقليمي لكلّ من الدولتين بطريقة تخالف هذا الحكم ".


المادة 74
"يتمّ تعيين حدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بين الدول ذات السواحل المتقابلة والمتلاصقة عن طريق الاتّفاق على أساس القانون الدولي كما أُشير إليه في المادّة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدوليّة من أجل التوصّل الى حلّ منصف"

المادة 83
«يتم تعيين حدود الجرف القاري بين الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة عن طريق الاتفاق على أساس القانون الدولي، كما أشير إليه في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، من أجل التوصل إلى حل منصف».
بالنتيجة، وفي حالة لبنان اعتُمد تطبيق قاعدة خطّ الوسط/ظروف خاصّة لترسيم حدود البحر الإقليمي.
تبدأ الحدود البحرية من النقطة التي تنتهي عندها الحدود البرية وفقاً لاتفاقية بوليه-نيوكومب


تبدأ الحدود البحرية من النقطة التي تنتهي بها الحدود البرية وهي نقطة رأس الناقورة وفقاً لاتّفاقيّة بوليه-نيوكومب (Paulet Newcombe) الموقعة عام 1923 بين فرنسا وبريطانيا (أبعد نتوء باتجاه البحر في حالة الجزر القصوى) والتي هي نهاية خط الحدود البرية (Land Border Terminus). أمّا في ما خصّ ترسيم المنطقة الاقتصاديّة الخاصة التي تمتدّ من مسافة 12 ميل بحري و لغاية 200 ميل بحري (حوالي 370 كام) عن الشاطئ، فتحكمها المادّة 74 من اتّفاقيّة الأمم المتّحدة لقانون البحار. وبما أنّ الإنصاف مفهوم اعتباري و ليس مُطلقاً، أجمعت المحاكم الدوليّة منذ العام 1993 على أنّ ضرورة التوصّل الى "الحلّ المُنصف" الذي يفرضه القانون الدولي تقضي بتطبيق "قاعدة خطّ الوسط مع الظروف ذات الصِلة". بناءً عليه، يركّز مبدأ الإنصاف عند تحديد خطّ الوسط على إقصاء الآثار غير المتناسبة للصخور والجزر الصغيرة من بين معالم جغرافيّة صغيرة أخرى.

صخرة «تخليت» ليست جزيرة
الخطّ الّلبناني 29 نتاج استخدام طريقة خطّ الوسط مع عدم احتساب أيّ تأثير للصخور والجزر الفلسطينيّة القريبة من لبنان، وأهمّها صخرة تخليت ذات التأثير الأكبر بلحاظ الأثر غير المتناسب لهذه الجزر على نتائج الترسيم. أمّا نقاط الأساس التي على أساسها بُني خطّ الوسط فلقد حُدّدت بطريقة دقيقة من مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني خلال المسح الذي أجرته في حزيران 2018. مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني مجهّزة بأحدث التقنيّات و الخبرات اللازمة لإتمام عمليّة تعيين خطّ الوسط.

(أ ف ب)

على صغرها، يبلغ تأثير هذه الصخور/الجزر الصغيرة وأهمّها من حيث التأثير تخليت حوالى 1800 كلم2، ما يُخالف قطعاً مبدأ الإنصاف. و لذلك أسانيد وسوابق قانونيّة عديدة لجزر تجوهلت في الاجتهاد الدولي. على سبيل المثال:
• أبو موسا (دبي ضد الشارقة، تحكيم، ١٩٨١)
• جربة (ليبيا/تونس، محكمة العدل الدولية، ١٩٨٢)
• فيلفلة (ليبيا/مالطا، محكمة العدل الدولية، ١٩٨٥)
• جبل الطير وزبير (اليمن/أريتريا، تحكيم، ١٩٩٩)
• قطعة جرادة وفشط الجارم (قطر/البحرين، محكمة العدل الدولية، ٢٠٠٠)
• الرمال (نوفا سكوتيا/نيوفوندلاند ولابرادور، تحكيم ، ٢٠٠١)
• الثعابين (رومانيا/أوكرانيا، محكمة العدل الدولية، ٢٠٠٩)
• ساينة مارتن (بنغلاديش/ميانمار، المحكمة الدولية لقانون البحار، ٢٠١٢)
• لوو كاي، كيتاسوينيو وسيرّانا (نيكاراغوا/كولومبيا، محكمة العدل الدولية، ٢٠١٢)
• جزر ديوا داماسياكا (كينيا/الصومال، محكمة العدل الدولية، ٢٠٢١)
في ما خصّ الخطّين 1 و 23، ما من سند تقني أو قانوني لأيّ منهما. فكلاهما لا يبدآن من نقطة التقاء الحدود البرّية مع البحريّة، أي رأس الناقورة، وكلاهما لا يعتمدان طريقة خطّ الوسط سوی علی مسافة محدودة جدّاً أو أيّ طريقة علمية أخرى مُتّبعة في ترسيم الحدود البحريّة.
قرار محكمة العدل في نزاع كينيا- الصومال: القانون سندٌ للخطّ 29
نتيجة الحكم القضائي عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 12 تشرين الأوّل 2021 حول نزاع الحدود البحرية بين كينيا و الصومال مُعطى جديد لو وُوكِب من قِبل صُنّاعِ قرارٍ حريصين على المصلحة الوطنيّة لكان شكّل نقلة جديدة في متانة سند الخطّ الّلبناني 29. نتيجة الحكم المذكورة قرارٌ صريحٌ ولا لُبس فيه حول عدم الأخذ بعين الاعتبار الصخور ذات التأثير غير المتناسب في تحديد خطّ الوسط. وهو بالضبط المبنى الذي قام عليه الخطّ الّلبناني 29.

انقر على الصورة لتكبيرها

بمحاذاة الشاطئ الصومالي مجموعة صخور تبعد عن خطّ اليابسة حوالي 1000 متر. طالبت الصومال باحتساب الجزيرة الجنوبيّة منها عند تحديد نقاط الأساس التي عليها يتشكّل خطّ الوسط. قرار محكمة العدل الدوليّة حيال هذا المطلب كان واضحاً و صريحاً بعدم احتساب تلك الجزر، وباعتبار نقاط اليابسة فقط نقاط أساس لتحديد خطّ الوسط. التالي ترجمة الفقرتين المتعلّقين من قرار المحكمة:
الفقرة 112 - تلاحظ المحكمة أن الطرفين لم يختارا نفس النقاط الأساسية لترسيم حدود البحر الإقليمي. أعربت كينيا عن شكوكها بشأن استخدام نقاط الأساس المبنيّة على الجَزْر والتي لم تُؤكَّد من خلال زيارة ميدانية. أول نقطتين أساسيتين تقترحهما الصومال على جانبها من نهاية الحدود البرية تقعان في جزر ديوا داماسياكا (Diua Damasciaca islets). لهاتين النقطتين تأثير كبير على مسار خطّ الوسط في البحر الإقليمي، ما يدفعه إلى الجنوب. النقطة الأساسية الثالثة في الصومال، قِبالة الطرف الجنوبي لرأس كامبوني (Ras Kaambooni)، لها أيضًا تأثير كبير في دفع مسار خطّ الوسط باتّجاه الجنوب... إنّ وضع خطّ الوسط على المعالم البحريّة الصغيرة المُوضحة أعلاه (جُزر Diua Damasciaca) له تأثيرعلى مسار خطّ الوسط لا يتناسب مع حجمها وأهميّتها بالنسبة للجغرافيا الساحلية الإجمالية.
الفقرة 114 - في ظل ظروف هذه القضية، ترى المحكمة أنه من المناسب وضع نقاط الأساس لبناء خطّ الوسط على أرض صلبة فقط على سواحل البر الرئيسي للطرفين. لا يُعتبر من المناسب وضع نقاط أساسية على جزر ديوا داماسياكا القاحلة الصغيرة، والتي سيكون لها تأثير غير متناسب على مسار خطّ الوسط مقارنةً بحجم هذه المعالم الجغرافيّة.
الصخور الصوماليّة أكبر من الفلسطينيّة، وتقع على نفس المسافة تقريباً من خط اليابسة


في محاضرةٍ لوفد العدوّ لمفاوضات الترسيم مع لبنان في معهد دراسات الأمن القومي في الكيان المحتلّ بتاريخ 6 حزيران 2021 خلال مؤتمر بعنوان "العلاقات الإسرائيلية-اللبنانية من خلال منظور الحدود البحرية"، عرض وفد العدوّ المفاوض لوجهة نظر العدوّ في المفاوضات والتي على أساسها رفض رفضاً قاطعاً الحديث بالخطّ الّلبناني 29. ركّز رئيس وفد العدوّ المفاوض، مدير عام وزارة الطاقة في كيان العدوّ، إهود أديري، في مداخلته على أهمّ النقاط التي تدحض الخطّ الّلبناني 29 وتدعم وجهة نظر العدو، ألا وهي التأثير الكامل لصخرة تخليت على خطّ الوسط في إطار إيجاد حلّ "مُنصِف" للنزاع على الحدود البحريّة في لبنان. من أهمّ ميّزات تخليت، بناءً على ادّعاء أديري، قربها من الشاطئ. فتلك الصخرة والجزر الفلسطينيّة الصغيرة جنوبها، تقع على مسافة قرابة كيلومتر واحد من الشاطئ بخلاف الحالات التي اعتمد عليها الوفد الّلبناني التي، بحسب ادّعاءه، تستند على جُزر بعيدة عن الشاطئ. تأتي الحالة الكينيّة-الصوماليّة لتشكّل مقتلاً لتلك الحجّة. فالجزر الصوماليّة أكبر من الفلسطينيّة، وتقع على نفس المسافة تقريباً من خطّ اليابسة. يجدر القول إن إعتبار تأثير الجزر من دونه في عمليّة تحديد خطّ الوسط يعتمد بشكل أساسي على الأثر التناسبي لتلك الجزر، وليس فقط على مساحتها وقربها من الشاطئ. بالتالي، تجمع صخرة تخليت في المياه الفلسطينيّة المحتلّة كلّ الأسباب التي تصبّ في مصلحة لبنان. فلا مسوّغ قانونياً أو تقنياً لحسبان أيّ تأثير لها على خطّ الوسط، وبالتالي قوّة الخطّ الّلبناني 29.



قانون البحار
مجموعة القواعد القانونيّة العرفيّة والاتفاقيّة التي تنظّم وضع البحار، من مياه إقليميّة ومناطق متاخمة ومناطق اقتصاديّة خالصة وجرف قارّي وأعالي بحار. شكّلت اتفاقيّات جنيف عام 1958 القواعد الأساسيّة لهذا القانون، إلى أن جاءت اتّفاقيّة الأمم المتّحدة لقانون البحار (United Nations Convention on the Law of the Sea) عام 1982 وطوّرت الاتفاقيّات السّابقة بما يتناسب والقرن العشرين. وهوأهمّ مرجع قانونيّ دوليّ يُعنى بالشأن البحريّ. انضمّ لبنان الى إتّفاقية الامم المتّحدة لقانون البحار بتاريخ 1 كانون الثاني 1995، ولم ينضم العدو. غير أنّ عدم انضمام العدو لا يعني عدم التزامه باحترام بنودها، لا سيما تلك التي تعنی بالترسيم البحري، لأنّها تعكس قواعد عرفيّة دوليّة.


المياه الإقليميّة أو البحر الإقليمي
تمتدّ سيادة الدولة الساحلية خارج أراضيها ومياهها الداخلية إلى حزام بحري ملاصق، يُسمّى البحر الإقليمي (Territorial Sea). تمتد هذه السيادة إلى المجال الجويّ فوق البحر الإقليمي، وإلى قاع البحر وما تحته من طبقات. يعود لكلّ دولة الحق في تحديد عرض بحرها الإقليمي على ألّا يتجاوز 12 ميلاً بحرياً (حوالي 22 كلم). تُقاس المسافة من خطوط الأساس المحدّدة وِفقاً لاتّفاقيّة الأمم المتّحدة لقانون البحار.


المنطقة الاقتصاديّة الخالصة
تمتدّ المنطقة الاقتصاديّة الخالصة (Exclusive Economic Zone) لمسافة 200 ميل بحريّ (370 كلم) كحدٍّ أقصى من خطوط الأساس الّتي يُقاس منها عرض البحرالإقليميّ. في المنطقة الاقتصادية الخالصة، تتمتع الدولة الساحلية بحقوقٍ سياديّة لغرض استكشاف واستغلال والمحافظة على الموارد الطبيعية وإدارتها سواء الحيّة منها (ثروة سمكيّة مثلاً) أو غير الحية، للمياه المتاخمة لقاع البحر وقاع البحر وباطن تربته (الثروات النفطيّة مثلاً). تتمتُع الدولة الساحليُة أيضاً بحقوقٍ سياديّة فيما يتعلّق بالأنشطة الأخرى للاستغلال الاقتصادي للمنطقة الإقتصاديّة الخالصة، مثل إنتاج الطاقة من المياه والتيّارات والرياح. و تتمتع الدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة بالولاية القضائية على النحو المنصوص عليه في الأحكام ذات الصلة من تلك الاتّفاقية من قبيل إنشاء واستخدام الجزر الاصطناعية والمنشآت والهياكل وإجراء البحوث العلميّة البحريّة وحماية البيئة البحريّة والمحافظة عليها. من الجدير ذكره أنّه في حال وجود دول متقابلة (لبنان و قبرص مثلاً)، يُحدّد امتداد المنطقة الاقتصاديّة الخالصة لكلا البلدين عبر اعتماد قاعدة خطّ الوسط مع "الظروف ذات الصِلة".


مسار التنقيب و التطوير
يمرّ حقل النفط أو الغاز، بشكلٍ عام، بخمس مراحلٍ متتاليةٍ: التنقيب (Exploration)، التقييم (Appraisal)، التطوير (Development)، الإنتاج (Production) والتفكيك (Decommissining).
يتعلق "التنقيب" بعمليّة البحث عن النفط والغاز في حقولٍ أو مناطق جديدة أو في طبقاتٍ أرضيّةٍ جديدةٍ لم يصلها الحفر في الآبار السابقة في نفس الحقل. مِثالٌ على ذلك بئر الاستكشاف الأوّل KM-01 في حقل كريش الرئيسي و الذي حُفِر في آذار 2013 واستُكشفت حينذاك كمّيات تجاريّة كبيرة من الغاز في هذا الحقل. مِثالٌ ثانٍ على ذلك بئر الإستكشافKN-01 في شمال كريش و الذي تمّ حفره في آذار/نيسان 2019. قد تسفر عمليّات التنقيب عن اكتشافات تجاريّة كما في المثالين أعلاه، أو قد تفشل كما كان الحال في البئر ذائع الصيت الذي حفرته شركة توتال الفرنسيّة في البلوك الّلبناني رقم 4. مرحلة التنقيب، إذاً، تهدف للإجابة على سؤالٍ مهمٍّ: هل هناك نفط و/أو غاز بكمّيات تجاريّة؟ إذا أثبت الحفر وجود كمّيات كهذه، تبدأ مرحلةٌ أخرى تسمّى مرحلة {التقييم} حيث يُصار إلى حفر آبار إضافيّة لتحديد الكمّيات الموجودة لدرجة مقبولة من الدقّة تسمح ببداية وضع خطّة التطوير (Field Development Plan) التي تتضمّن دراساتٍ معمّقةٍ عن سيناريوهات التطوير ليُختار من بينها السيناريو الذي يُعظّم القيمة التجاريّة للحقل ويُعمل على وضع كلّ المكوّنات التفصيليّة لهذا السيناريو. بعد وضعها، تُعرض الخُطّة للموافقة من قِبَل الجهات المختصّة (إدارات الشركات و الهيئات و الوزارات المختصّة مثلاً). بعد حصول الموافقات المطلوبة و تأمين التمويل الّلازم، تبدأ عمليّة "تطوير الحقل" و التي تشمل حفر آبار الإنتاج و مدّ الأنابيب وتجهيز بُنى الإنتاج. حينها، يصبح الحقل جاهزاً للإنتاج وتبدأ مرحلة «الإنتاج». يمتدّ الإنتاج عادةً لعدّة سنوات إلى أن يبدأ الحقل بالنضوب ويُصبح مردود الإنتاج أقلّ من الكلفة التشغيليّة ليُصار حينذاك لإيقاف الإنتاج و«تفكيك» الحقل.