في مادته السابعة، يستثني قانون العمل اللبناني العاملات المنزليات، فلا تنطبق عليهّن أحكامه ولا يتمتعّن بالحقوق المتصلة به. إشارة المشرّع واضحة في عدم اعتبار العمل المنزلي عملاً، واعتبار الشريحة التي تمارسه أدنى شأناً من بقية شرائح المجتمع. وهنا تكمن الخطورة والتمييز في آن، عندما يكرّس القانون ضعف المرأة العاملة في الخدمات المنزلية، والتي هي في الأصل من الفئات الهشّة إن من منظار اقتصادي أو جندري، في مجتمع تطبعه الثقافة الذكورية.لطالما كان تشريع العمل المنزلي وتنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والعاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية مطلباً ملحّاً، لضمان سلامتهن وتكريس حقوقهن وعدم تركهن رهائن المنظومة الأخلاقية لأصحاب العمل، بما أن نظام الكفالة - هدية الدولة لهنّ - سمح بإمكانية استغلالهن. اليوم يعاد طرح مسألة التشريع من جديد مع دخول اللبنانيات اللواتي لا يشملهن نظام الكفالة إلى القطاع.
تطالب الجمعيات النسوية العاملة في مجال حقوق المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين، بإلغاء المادة السابعة من قانون العمل، وإصدار تشريعٍ ينظّم العلاقة بين الطرفين آخذاً في الاعتبار ظروف العمل المنزلي وطبيعته وخصوصيته، ويتطرّق إلى عدد ساعات العمل والحقوق والواجبات والحد الأدنى للأجر والتغطية الصحية، ليضع بذلك صاحب العمل تحت طائلة الملاحقة والمحاسبة القانونية في حال الإخلال بواجباته تجاه العاملات.
من وجهة نظر قانونية، تعارض المحامية عليا المعلّم إلغاء المادة 7، مؤيدة «التنظيم عبر المؤسسات حصراً»، بمعنى أن «تنضم السيدات الراغبات بالعمل في الخدمة المنزلية إلى مؤسسات معنية بتقديم هذا النوع من الخدمات للمنازل أو الشركات، ويخضعن بالتالي لأحكام قانون العمل العادي كموظفات يتمتّعن بحقوق في حال الصرف التعسفي وتعويض نهاية الخدمة والانتساب إلى صندوق الضمان الاجتماعي وبدلات النقل الخ...». ترى المعلّم في ذلك «تحقيقاً للأمان والاستقرار المهني للعاملات، وجعل المسؤولية تجاههن وتجاه طالبي الخدمة على عاتق المؤسسة».
قانون العمل اللبناني لا يعتبر العمل المنزلي عملاً!


مع اختلاف وجهات النظر، ومهما كان المسار القانوني المرجو سلوكه لتبديل واقع الحال، يبقى الاتفاق قائماً على ضرورة الاعتراف بالعمل المنزلي وتنظيمه حمايةً للطرف الأضعف فيه، واعتباره كبقية المهن عملاً ذا قيمة اقتصادية، على نقيض ما فرضته وما زالت طبيعة النظام الرأسمالي الأبوي التي تنظر إليه كأحد واجبات النساء «غير المنتجة»، ربطاً بينه وبين دور المرأة في مجتمع ينمّط الأدوار، والدليل أن هذا النوع من الخدمات لم يصبح عملاً مأجوراً إلا عندما باتت تقدّمه نساء غير متزوجات.
في الخلفيات أيضاً، يمكن فهم أساس النظرة الدونية إذا ما عدنا بالتاريخ إلى فترة ما قبل نشوء فكرة استقدام العاملات الأجنبيات. يوم كانت العائلات اللبنانية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تستعين بفتيات وسيدات الطبقات المسحوقة اجتماعياً لقاء تقديمات مرتبطة بالمعيشة كالإقامة في منزل رب العمل نفسه والمأكل من دون بدلٍ مادي.
طوّرت النساء من قدراتهن وإمكانياتهن. ومع تطور المجتمع انخرطن في ميادين العمل أكثر فأكثر، فازدادت الحاجة إلى وجود المُساعِدَة المنزلية، وتالياً تضخّم القطاع من دون أدنى تنظيم، فاستغل أصحاب مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات الفوضى الحاصلة نتيجة نظام الكفالة. هكذا على مرّ السنوات إلى أن فرضت الأزمة على المرأة اللبنانية العودة مجدداً إلى القطاع، وهي مناسبة لوضع السلطة أمام مسؤولياتها بضرورة وضع مسألة تشريع العمل المنزلي على طاولة البحث.