رسّخ الاستثمار السياسي في دماء ضحايا 4 آب 2020، الانقسام بين أهاليهم، وهو ما ظهر بوضوح في الوقفتين اللتين نُفّذتا اليوم أمام مرفأ بيروت، ففيما شكّكت الأولى في أداء المحقق العدلي طارق البيطار، أبدت الثانية دعمها المطلق له.
الجناح الأول للأهالي، وتحت اسم «اللجنة التأسيسية لتجمع أهالي شهداء وجرحى ومتضرري انفجار مرفأ بيروت»، دافع عن نفسه بعد «ظلم البعيد وافتراء بعض الرفاق والأحبة الذين ضلّوا الطريق لسبب أو لآخر»، وعمل على «إلقاء الحجّة ورسم خريطة الطريق التي ننتهجها للوصول إلى الحقيقة والعدالة والمحاسبة».

ومثّلت المجزرة التي ارتكبت بحقّ متظاهرين ضدّ أداء المحقق العدلي في الطيونة، القشّة التي تسبّبت بتقسيم الأهالي، بعد مسار طويل من محاولة الاستثمار السياسي وتوجيه الأهالي إلى ما يخدم غايات سياسية لا علاقة لها بالحقيقة، وهو ما شرحه بوضوح إبراهيم حطيط في بيان بيّن فيه أن «محاولات اختراق صفوفنا» بدأت من خلال «بعض الجمعيات التي تحمل خلفيات سياسية حيناً وحزبية أحياناً، بلبوس العمل الإنساني، لكننا رفضناها جميعاً».

ولفت حطيط إلى أنه شاهد خلال أحداث الطيونة «بأمّ العين، حرباً أهلية مصغرة، وأحسست بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي، الأمر الذي دعاني لإجراء اتصال مطوّل بقاضي التحقيق طارق بيطار لأستطلع موقفه، بخاصة أنه سبق لي ومن خلال زيارة سابقة له مع لجنة الأهالي أن ناقشته بخصوص عدم استدعاء بقية من كنا نطالب باستدعائهم من رؤساء حكومات وأجهزة أمنية وقضائية ووزراء، إضافة للتقرير الفني، ووعدني حينها بدراسة كيفية العمل على ذلك، وهو ما كررت طلبه خلال اتصالي به».

وأشار حطيط إلى أنه فوجئ بـ«جوابه الغريب، حيث قال لي: يا سيد إبراهيم، المشكلة منكون علقانين هون منصير علقانين هونيك. لقد اعتبرت جوابه سياسياً بامتياز، ما دعاني لإعلان موقفي الذي ناقشته مع أعضاء اللجنة بأنني لا أعطي الثقة لأحد بنسبة 100%، وأن على القاضي بيطار استدعاء من لم يتم استدعاؤهم حتى الآن، وأن طريقة عمله ستوصلنا إلى طريق مسدود».

واتهم حطيط بيطار بأنه لم يهتم بنداءاته لـ«تصحيح مسار التحقيق واستدعاء الجميع كي لا يترك مجالاً لاتهامه بالاستنسابية»، مطالباً إياه باستدعاء من لم يستدعهم حتى الآن لـ«ننتهي من هذه الدّوامة، الأمر لم يعد بطولة، فالتحقيق والحقيقة باتا مهددين بالضياع والتضييع، والعودة عن الخطأ فضيلة».

وأوضح حطيط أن ما يطالب به هو «مثول الجميع أمام العدالة، أما خبرية من وصلته مراسلة وكان يستطيع أن يفعل شيئاً ولم يفعل فقد انتهى مفعولها، وأشرف ريفي وقائد الجيش وغيرهما من القضاة أكبر دليل وبرهان على ذلك».

في المقابل، دعا الجناح الآخر من الأهالي، المتمثل بـ«جمعية أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت»، وزير الداخلية والبلديات، بسام مولوي، إلى إعطاء أُذونات ملاحقة من ادّعى عليهم المحقق العدلي، متوجهاً إلى أهالي الموقوفين، بالقول: «قفوا مع الحقّ وادعموا القاضي واضغطوا معنا لإيقاف المجرمين الكبار، حتى يتسنّى للقضاء متابعة عمله وإنصاف من كان بريئاً».

وتأتي هذه التطورات فيما «العدلية» لا تزال معطّلة، والغموض يلفّ ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. فالجهة المخوّلة بتّ طلبات الرّد، هي الهيئة العامة لـ«محكمة التمييز»، المعطّلة بفعل غياب رئيسها، رئيس «مجلس القضاء الأعلى»، سهيل عبود، بداعي إصابته بفيروس «كورونا».

وينتظر بيطار بتّ طلب ردّه من الوزيرين غازي زعيتر وعلي حسن خليل، لمتابعة إجراءاته، تحديداً وأن العقد العادي لمجلس النواب انتهى، والنواب المدّعى عليهم باتوا خارج الحصانة النيابية، حتى فتح عقد استثنائي، وهو ما يحتاج موافقة رئيس الجمهورية ميشال عون، أو طلبٍ من أكثرية نيابية مطلقة.