ردًا على ما نُشر في «الأخبار» بتاريخ 31 آب 2021 تحت عنوان «وقائع من جريمة حرمان «كهرباء لبنان» من الأموال: قتل السكان وتدمير الاقتصاد واستنزاف الاحتياطي»، جاءنا من الحزب التقدمي الاشتراكي التوضيح الآتي:رغم كل الأزمات المتلاحقة، تبقى الكهرباء هي الملف الأكثر إلحاحاً وضرورة للمعالجة، في ظل الهدر الكبير في هذا القطاع الذي يستنزف الخزينة منذ سنوات. وهنا لا بد من التذكير بالموقف السبّاق والمتقدم للحزب التقدمي الاشتراكي الداعي منذ سنوات إلى وضع حد لهذا التفتت في قطاع الكهرباء، مقترحاً خططاً عملية ومبادراً على خط المعالجة.
ومنعاً لما ورد في المقال المذكور من تشويه للحقائق والوقائع الدامغة، لا بد من استعادة موقف الحزب التقدمي الاشتراكي وتوضيح موقف اللقاء الديمقراطي الخاص بضرورة تطبيق الإصلاحات، لا سيما خفض الهدر وتطبيق قانون تنظيم قطاع الكهرباء النافذ.
فكاتب المقال المذكور استشهد انتقائياً ببعض ما ورد في تقارير البنك الدولي، لكنه أغفل عن قصد جوهر المشكلة التي أضاء عليها البنك الدولي بوضوح في تقرير البنك الدولي «المرصد الاقتصادي - تقليص مخاطر لبنان - خريف 2018».
فالعبء المترتب عن قطاع الطاقة في لبنان يعود إلى هيكل ارتفاع الكلفة لإنتاج الطاقة مصحوباً بأوجه قصور من ناحية الإيرادات.
وفي مقارنة بين 14 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، احتل لبنان المرتبة الأخيرة لناحية العجز شبه المالي لقطاع الطاقة (quasi-fiscal deficit, QFD) إذ بلغ العجز 8.9 في المئة، وهي، نسبة أسوأ من تلك المسجلة في البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. ويعود ذلك إلى كل من التكلفة والإيرادات.
من ناحية التكلفة، يجري استخدام وقود الديزل الأكثر كلفة وتلويثاً في محطات توليد الطاقة الحالية التي تعمل بالغاز وذات الدورة المركبة ومن (dual-fired combined-cycle gas-fired) الوقود المزدوج.
ومن ناحية الإيرادات، يمكن أن تصل الخسائر الفنية وغير الفنية في التوزيع والنقل إلى 40 في المئة.
أما في آلية الإصلاح فقد أورد التقرير أن المدخل الأساسي لإصلاح القطاع يكمن في تقليص الخسائر الفنية وغير الفنية.
وقد كان «التقدمي» حذر منذ سنوات من مغبة الاستمرار في سياسة «دفن الرأس في الرمال» المتبعة في إدارة القطاع، ناشراً الأرقام الفعلية لنسب الهدر الهائلة التي تخطت نسبة الـ50 في المئة، ووصل مجموعها بين العامين 2012 و2016 إلى 2.624 مليار دولار، والتي تنفي بشكل علمي قاطع نظرية الـ9 سنتات ككلفة سعر الكيلوواط/ساعة.
وإلى المستشهدين بالبنك الدولي، ها هو ذا في تقريره الصادر بتاريخ أيار 2020، يؤكد ما أشار إليه الحزب التقدمي الاشتراكي منذ سنوات، فإن عمليات التحصيل الضعيفة إلى جانب نسب الهدر المرتفعة في الشبكة تعني أن مؤسسة كهرباء لبنان تحصل على 44 في المئة فقط كعائدات نقدية بدل الكهرباء التي أنتجتها، ما يعني أن تكلفتها الإجمالية هي 36 سنتاً لكل كيلوواط ساعة.
بالإضافة إلى ما سبق تكشف المؤشرات التالية (ما قبل الأزمة) تراجعاً دراماتيكياً في نسب التحصيل (وصلت في العام 2018 إلى 32 في المئة)، إضافة إلى متأخرات مؤسسة كهرباء لبنان التي تبلغ 3000 مليار ل.ل.
ومن هنا، وبعيداً من محاولات الابتزاز الممجوجة، يؤكد «التقدمي» دائماً أن إصلاح قطاع الكهرباء يعتبر مدخلاً إلزامياً للإصلاح الاقتصادي، لذا لا بد من خطوات جذرية وسريعة تبدأ بتطبيق قانون تنظيم قطاع الكهرباء (462) النافذ من دون أي تعديل، رفع الوصاية القسرية عن مؤسسة كهرباء لبنان واستعادة استقلاليتها، تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، تخفيض الهدر التقني وغير التقني إلى أدنى مستوياته، وهذا ما يعتبر من الواجبات الأساسية لمؤسسة كهرباء لبنان (من دون حاجة لخطط مستنسخة)، وضع حد لمسلسل الحلول المؤقتة وإنشاء معامل إنتاج دائمة والعمل على إنشاء محطة تغويز واحدة.
وأمام المحاولات البائسة والمشبوهة الهادفة إلى إيهام الرأي العام اللبناني الذي اختبر وعايش الإنجازات «الطاقوية» منذ العام 2008 وحتى تاريخ اليوم، يحاول البعض استكمال مسلسل الابتزاز من خلال إرساء معادلة جديدة عنوانها «مؤسسة الكهرباء أو المولدات» بعدما أجهض اللبنانيون معادلتي «ما خلونا» و»أما السلفة وأما العتمة» بعدما أسهم «التقدمي» في تعريتهما وكشف الأبعاد الخبيثة الكامنة خلفهما.
ويؤكد «التقدمي» دائماً على موقف اللقاء الديموقراطي المشرف الذي رفض إحراق ما تبقى من ودائع اللبنانيين في أتون ودهاليز «الطاقة»، وسيبقى مصراً على موقفه الثابت إلى حين تطبيق إصلاحات فعلية من شأنها تأمين أدنى من الاحتياجات المعيشية للبنانيين كما من شأنها إحالة المولدات تلقائياً إلى سوق الخردة.

رد المحرر
أكد الحزب الاشتراكي من خلال رده، مجدداً، إصراره على استعمال اللبنانيين والمقيمين رهائن في معاركه السياسية، مفترضاً أن الناس لا يأبهون لوصول الكهرباء إلى منازلهم بقدر اهتمامهم بحماية ما تبقى من الاحتياطي الذي سرقت المنظومة السياسية المصرفية - وقيادة «الاشتراكي» جزء لا يتجزأ منها - 85 في المئة منه.
يتحدث «التقدمي» عن الموقف المشرّف لـ«اللقاء الديموقراطي» الذي «رفض إحراق ما تبقى من ودائع اللبنانيين في أتون ودهاليز الطاقة»، لكن يصر على إغفال حقيقة أن الاعتماد على المولدات الخاصة لإنتاج الكهرباء إنما يسهم في حرق الودائع بطريقة أكثر قسوة. أولاً لأن كلفة إنتاج الطاقة من المولدات أكثر بمرتين من كلفة إنتاجها من معامل الدولة. وثانياً لأن الناس يدفعون 15 ضعفاً فارقاً في ثمن الكيلو واط المنتج من المولدات بالمقارنة مع ما يدفعونه للمؤسسة.
وإذا كان الحزب حريصاً على المصلحة العامة، من المفيد التذكير بالموقف المشرّف الآخر لممثله في مؤسسة كهرباء لبنان، الذي اقترح منع الأموال نهائياً عن المؤسسة التي يحتل منصب عضو مجلس الإدارة فيها، مقابل توزيع صفيحتي مازوت على كل مواطن، كتعويض عن حرمانه من الكهرباء! الاقتراح العبقري لم يوضح كيف لهذه أن تعوض تلك، لكنه يؤكد، بخلاف ما يدّعيه رد الحزب، قراره الحاسم بإعطاء الأولوية للانتقام من التيار الوطني الحر، حتى لو كان كل الناس، ومنهم مؤيدو ومناصرو الحزب العريق، وقوداً في هذه المعركة.
بغض النظر عن التحليل الذي ارتآه الحزب للمقال، لكنه وجد فيه مناسبة لاستكمال حربه تلك، متهماً كاتب المقال ما يجيده هو نفسه وتمرّس به طوال وجوده في الحكم، أي الابتزاز. ولذلك لم يستوعب أن يُكتب مقال يبين مخاطر حرمان كهرباء لبنان من الأموال، إلا في إطار «البعض يحاول استكمال مسلسل الابتزاز من خلال إرساء معاملة مؤسسة كهرباء لبنان أو المولدات». ثم لا يخجل بالافتراض أن اللبنانيين أسقطوا معادلة «السلفة أم العتمة»، متباهياً بأنه أسهم في تعريتها وكشف أبعادها الخبيثة. بين العتمة والسلفة افترض أن الناس اختاروا العتمة! حتى المودعين الذين سرقت أموالهم ولم يتمكنوا من تهريبها من خلال استغلال نفوذهم كما فعل غيرهم، ومن المتهمين رئيس الحزب نفسه، لن يكونوا فرحين وهم يرون أن السرقة مستمرة وإن بعنوان مختلف وبشكل أكبر. فحماية أموال المودعين لا تمر عبر منع الكهرباء عنهم، مقابل تحويل هذه الأموال إلى مافيا المحروقات.
أما افتراض أن كاتب المقال تعمّد إغفال دراسات للبنك الدولي تشير إلى العجز الكبير في القطاع، فهو افتراض لا يراعي الحد الأدنى من المعرفة بأصول العمل الصحافي. المقال يتناول مسألة حرمان الناس من الكهرباء وتأثيره في الاقتصاد، ولا يتناول (هذه المرة) الوضع المزري للقطاع. ولمن تسعفه الذكرى فإن «الأخبار» لم تهادن يوماً في كشف وفضح المتلاعبين في مصير القطاع، لأي جهة انتموا. كما لا تبرئ أحداً من وصول القطاع إلى ما وصل إليه. فكل من تعاقب على السلطة التنفيذية مسؤول، وأولهم الحزب الاشتراكي المقيم فيها منذ ثلاثين سنة، وليس آخرهم التيار الوطني الحر. بالتالي، فإن الإيحاء أنه تم إغفال دراسات للبنك الدولي التي تشير إلى الهدر والعجز، إنما هو محاولة فاشلة لخلط الأمور وإبعاد القارئ عن الخلفية الكيدية لموقف الحزب من السلفة.
لذلك، فإن إصلاح القطاع ليس مطلباً للحزب الاشتراكي بقدر ما هو مطلوب منه، هو الذي لم يكن يوماً بعيداً من قطاع الطاقة، بكل مزارببه ومنافعه. ومطلب إعطاء الأولوية لإنتاج الكهرباء بأي ثمن ليس بديلاً عن الإصلاحات المطلوبة، فهذه لا تتعارض مع تلك. وإذ ندعو إلى تحويل الأموال التي تذهب إلى المولّدات إلى كهرباء لبنان، فلا يعني ذلك دعوة إلى هدر المزيد من الأموال، بل هو، كما يوضح المقال، دعوة لاستعمال الاحتياطي بطريقة أكثر فعالية، والتي نعيد التأكيد عليها، حتى لو اعتبرها «الاشتراكي» مجافية للحقيقة، بحجة وجود هدر على الشبكة. نعم كل كيلوواط ينتج عبر المولدات يكلف الدولة فيول أكثر مرتين من إنتاج بعض معامل الدولة. وإذا كان الحزب الاشتراكي يريد أن يبني لا أن يهدم، فليعط المال لكهرباء لبنان، وليعمل بالتوازي على فرض شروط قاسية يضمن فيها الشفافية في استعمال هذه الأموال، حتى لو وصل الأمر إلى حد فرض حراسة قضائية على المؤسسة. أما استغلال معاناة الناس في الحرب على إدارة القطاع، فلا يستوي مع الدور الاجتماعي الذي يفترض أن يلعبه حزب كالحزب الاشتراكي.