بعد أسبوعين على تلقّيها شكاوى بحق رياض سلامة و«شركائه»، بشبهات اختلاس وتبييض أموال واحتيال، قررت النيابة العامة المالية في فرنسا فتح تحقيق في القضية. ويأتي قرار الادعاء العام في باريس ليلحق بالقضاءين السويسري واللبناني، اللذين ينظران في ملف يتضمّن شبهة اختلاس سلامة، بالشراكة مع مساعدته ماريان الحويك وشقيقه رجا، أموالاً من مصرف لبنان، وتبييضها في مصارف سويسرية وأوروبية ولبنانية.وسبق للقضاء اللبناني أن بعث، قبل نحو أسبوع، طلباً إلى القضاء الفرنسي بتجميد أموال سلامة والحجز على ممتلكاته، لحساب الدولة اللبنانية، من ضمن كتب أرسلتها النيابة العامة التمييزية في بيروت إلى عدد من الدول التي يُشتبه في أن سلامة عمل على تبييض أمواله في مصارفها وقطاعها العقاري.
ولا يمكن النظر إلى قرار النيابة العامة المالية الفرنسية من خارج السياق السياسي للإليزيه تجاه لبنان. فنظرياً، كان يمكن للنيابة العامة حفظ الشكويين، أو تأخير فتح تحقيق فيهما. ولا يخفي المسؤولون الفرنسيون رغبتهم في إطاحة سلامة، وترشيحهم بدلاء منه، على قاعدة أن «إحداث أي تغيير في لبنان مستحيل بوجود سلامة في المصرف المركزي».
الشكويان المقدمتان إلى القضاء الفرنسي لا تقتصران على الشقيقين سلامة والحويك، إذ تشملان أيضاً عدداً آخر من عائلة سلامة، كابن الحاكم وابن شقيقه. ويتّهم المشتكون المشتبه فيهم بتأليف «عصابة منظّمة» هدفت، عبر التآمر الجنائي، إلى تبييض أموال مختلسة.
وكان لافتاً أن تُفرد وكالة الصحافة الفرنسية مساحة واسعة للخبر الذي اعتبرت فيه أن «الرأي العام اللبناني يشتبه في أن سلامة، على غرار مسؤولين كبار آخرين في البلاد، نقل بشكل سرّيّ مبالغ مالية طائلة إلى الخارج بالتزامن مع الحراك الشعبي في تشرين الأول 2019، رغم القيود الصارمة التي كانت تفرضها المصارف».
بعث القضاء اللبناني، قبل نحو أسبوع، طلباً إلى القضاء الفرنسي بتجميد أموال سلامة


وتقدّمت بالشكوى الأولى إلى القضاء الفرنسي «أكاونتابيليتي ناو» («محاسَبة الآن») السويسرية، والتي ينشط فيها لبنانيون أيضاً. أما الشكوى الثانية، فتقدّمت بها منظمة «شيربا» التي تنشط في مكافحة الجرائم المالية الكبرى و«جمعية ضحايا الممارسات الاحتيالية والجرمية في لبنان» التي أنشأها مودعون خسروا أموالهم في المصارف اللبنانية.
وبحسب الشكوى، «تتخطى الثروة العالمية» لرياض سلامة الملياري دولار، وأن «قيمة الأصول التي يملكها في لوكسمبورغ بلغت 94 مليون دولار في عام 2018».
في المقابل، وعلى جري عادته، قرر سلامة التعامل مع مصرف لبنان بصفته مزرعته الخاصة، ليثبت الربط التام بين شخصه وبين المصرف المركزي، ولو في قضايا لا صلة لها بوظيفته. فبدلاً من ترك أمر التعليق على قرار النيابة العامة المالية الفرنسية لوكلاء الدفاع عنه، عممت وحدة الإعلام في المصرف المركزي بياناً لمحامي سلامة، نقيب المحامين الفرنسيين بيار أوليفييه سور، قال فيه إن ما يجري ضد موكله هو «عملية «إعلامية» بشكل رئيسي، لا بل سياسية، كما يتضح من المصطلحات التي استخدمها المحامي بوردون ومحيطه، والتي ليس لها أي طابع قضائي للتحدث عن «تحقيق ضخم» أو تحقيق «عالمي» يتعلق بـ«شخصية مكروهة» قد تبلغ ثروتها ملياري دولار ــــ وهذا كم من المبالغات يظهر مدى التلاعب!».
وقال سور إن «علينا أن نتحلى بالمنطق، كما أود أن أذكر أن شكوى منظمة «شيربا» تستند بشكل أساسي إلى عمل تحقيقي لمكتب محاماة إنكليزي استنتج أنه لا وجود لأي دليل قاطع (No smoking gun)، في حين أن الشكوى التي قدمتها «جمعية ضحايا الممارسات الاحتيالية والجرمية في لبنان» ترتكز على تقرير مكتب تحقيق فرنسي يخضع لتحقيق أولي منذ نحو ستة أشهر لتهمة «محاولة التحايل على القضاء» إثر دعوى تقدمت بها أمام النيابة العامة في ليون باسم السيد رياض سلامة».