لم تجِد الخطة المالية للحكومة مَن يُصفّق لها بالمُطلق في ساحة النجمة. حتى النواب الذين ينتمون إلى كُتل مُمثّلة في الحكومة وجدوا بأنها غير «كافية» أو «مبنية على فرضيات»، وفي أحسن الأحوال «بحاجة الى توضيح الآليات»، بينما «المُعارضون» أكّدوا أنها «غير مؤهلة» لاسترضاء صندوق النقد الدولي.الملاحظات الأولية التي وضعها النواب، ركّزت على نقاط أساسية؛ أهمها «الرفض الُمطلق للمسّ بأموال المودعين»، ومنهم من شدّد على تحميل الدولة مسؤولية الخسائر كالنائبين نهاد المشنوق وجورج عدوان، بينما استغلّ البعض هذه النقطة للتسويق لمنطق الخصخصة والاستثمار بأصول الدولة. وفيما لم تظهر أي معارضة جدية للاستعانة بصندوق النقد الدولي، نبّه بعض النواب، وفي مقدّمهم النائب علي، فياض إلى «ضرورة التنبه لآليات التفاوض». بعض الأصوات (تحديداً من الفريق الذي كان يُسمى «14 آذار») مالت إلى «أهمية الحفاظ على ركائز النموذج الاقتصادي، فلا نكون مع الرأسمالية المتوحشة، ولا نسخة عن البلدان الشيوعية»، مُعتبرة أن المس بهذا بالنموذج الحالي يُمثل خرقاً للدستور!
غيرَ أن اللافت كانَ إعلان رئيس لجنة المال والموازنة (التي تناقش الخطة) دعوة الهيئات الاقتصادية لحضور اجتماع اللجنة الأسبوع المُقبِل. فكيفَ يُصار إلى دعوة جهات كانت شريكة أساسية في وصول البلاد إلى أزمتها الحالية للتشاور معها؟ مهما احتدم النقاش أو ازدادت الملاحظات في اللجنة، لا يحتاج الأمر إلى كثير تحليل للقول بأن حدوده مُجرد توصيات سيرفعها النواب بشأن الخطة، وليس تعديلات كما قال رئيس اللجنة «فمجلس النواب ليسَ من صلاحياته إدخال تعديلات على خطة لم تصل بعد من الحكومة». وبعد ورود الخطة على شكل مشاريع قوانين مفصلة، ستتضح حقيقة مواقف الكتل النيابية.
فياض: للتنبّه الى آليات التفاوض مع صندوق النقد الدولي


في الشكل، توحي اجتماعات اللجنة كما لو أن الخطة الاقتصادية ملف تُمسِك بزمامِه السلطة التشريعية، بينما ما تقوم به اللجنة له «طابِع استفساري وليسَ مٌلزماً»، علماً بأن ما جرى في الاجتماعين السابقين، لم يكُن نقاشاً في تفاصيل الخطة، فوزير المال غازي وزني ووزير الاقتصاد راوول نعمة لم يشرحا تفاصيل الخطة، بل إنهما، أو الأصح أن وزير المال الذي استفاض في الكلام أكثر من زميله، أعاد توصيف الواقع المالي والاقتصادي من الألف إلى الياء وهو ما باتَ يعرفه بالتفاصيل والأرقام كل الناس لا السلطة السياسية. هذه نقطة علّق عليها أكثر من نائب حضر الجلسة. فوزني الذي استفاض في شرح الأزمة لم يدخُل في تفاصيل الخطة، بل استعرض أزمات «سعر الصرف والديون والعجز في ميزان المدفوعات» على سبيل المثال، مؤكداً أننا «بحاجة إلى مساعدة دولية». وقال إننا «لن نذهب الى تحرير سعر صرف الليرة حالياً، بل سنتبع سياسة نقدية مرنة تفادياً لأي ارتفاع بسعر الدولار»، وخصوصاً أن «نسبة الاستهلاك اليوم وفقَ سعر السوق السوداء هي 60 في المئة، مقابل 40 في المئة من سعر الصرف الرسمي». كما تطرق إلى القروض المتوسطة التي في غالبيتها هي بالعملة الأجنبية وبالتالي «فإن تحرير سعر الصرف الرسمي سيؤدي إلى انفجار اجتماعي». وتحدث وزني عن تخفيف النفقات خاصة في الكهرباء على مدى 4 سنوات، وتخفيض الرواتب والأجور ولكن «من دون اقتطاع»، وهي نقطة استدعت التساؤل حولها، فكانت الإجابة بأن معناها وقف التوظيف، في حين رأى عدد من النواب بأن الحل الأمثل هو «اعادة هيكلة الإدارة ووضع خطة في إدارات الدولة وإجراء عملية تحوّل لإدخال دم جديد». وانتقد النواب في كلام وزني، غياب تحديد المراحل، خاصة وأن وزير المالية وخلال الحديث عن الإجراءات قال أنها لن تحصل دفعة واحدة، لكن من دون أن تذكر الخطة كيفية توزيع الإجراءات ووفق أي آلية. كما علّق النواب المُشاركين في اللجنة حديث الوزيرين عن أهمية وضع بنية تحتية لاقتصاد المعرفة، إذ لفتت النائبة عناية عز الدين إلى «وجود مشروع للتحول الرقمي أقرّ ويُمكن الإستعانة به وهو مشروع ينقل لبنان الى طور أكثر حداثة وشفافية». فيما اعتبر النائب فيصل الصايغ أن «لا وجود لخطة واضحة ومفصلة بقدر ما هي إطار عام»، وأن الحلول «مبينة على فرضيات الحصول على أموال من صندوق النقد الدولي وسيدر وأصدقاء لبنان»، علماً أن «هذا الأمر غير مضمون»، والثغرة الأساسية في الخطة عدم وجود «plan b» في حال عدم توافر هذه الأموال كما هو متوقع. وأشار الصايغ إلى أن هذه الخطة ليست كافية لكسب الثقة، إذ كانَ على الحكومة أن «تقوم ببعض الإصلاحات بشكل موازٍ مثل التشكيلات القضائية، والهيئة الناظمة للكهرباء وضبط المعابر الشرعية». وقد كان النائب المشنوق قد ركّز في مداخلته في اللجنة على بعض هذه النقاط تحديداً الهيئة الناظمة في الكهرباء، مستغرباً عدم ادراجها في الخطة وهي الإجراءات الأساسية التي طالب بها المجتمع الدولي خلال تناوله موضوع الإصلاحات.
النائب ميشال معوض الذي استند الى كلام وزير الإقتصاد بأن نجاح الخطة يتصل بتوافر شريك خارجي، اعتبر بأن «التموضع السياسي الحالي في البلاد يعطّل إمكانية الإستعانة بأي شريك». أما زميله محمّد الحجار فتساءل كيف «سيتمّ تحميل المودعين جزء من المسؤولية». وقد كانَ للنائب فياض ملاحظات عدّة أهمها «التنبه لآليات التفاوض مع المجتمع الدولي». واذ اعتبر أن الخطة تحمِل جرعة منخفضة من الخصخصة، لجهة الحديث عن تأسيس شركة لإدارة الأصول العامة، اعتبر أن جانب من الإقتراحات الموجود من الخطة يعاني من الفوضى، مع أن الخطة ومقارنة بالخطط السابقة هي «أكثر تطوراً ونوعية». وقد أعلن رفضه بالمطلق للإجراءات التي تحدثت عن «تخفيض الأجور والمنافع»، كذلك «إمكانية أن تطال الحسومات ودائع المواطنين الذين التزموا بالقانون». في المحصلة أجمع النواب على أن هذه الخطة تحتاج الى ما يقارب 17 قانون ومرسوم تطبيقي يجِب أن تقرها الهيئة العامة، وأن من واجب الحكومة إنجازها سريعاً، معتبرين أن الخطة يجب أن تناقش في الهيئة العامة لمجلس النواب.