في مؤتمره الصحافي، وفي إطار تبريره قانون نقل مبلغ 35 مليار ليرة من موازنة «المؤسسة العامة للإسكان» إلى مؤسسات الرعاية، لم يأتِ وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان بجديد. قال إن «هذا الاقتطاع لن يسبّب أزمة سكنية لأن المؤسسة لا تعطي قروضاً، بل تدعم الفوائد على القروض». هذا معروف. كرر ذلك أكثر من مرة، مع قليل من الشرح، مُفترضاً أن كلامه سينسُف الحديث عن وجود مشكلة. وأنه أيضاً سيستُر اعتراض «مؤسسة الإسكان» الذي سبَقَ أن عبّر عنه بشكل رسمي مديرها العام روني لحود في تصريح له لموقع وكالة الأنباء «المركزية». لم يقُل أحد أن اقتطاع مبلغ الـ 35 مليار ليرة سيوقف قروض الإسكان، المعلّقة أصلاً. كان الحديث عن عدم قدرة المؤسسة على الاستمرار في دعم الفوائد على قروض سبَق أن أعطيت في السنوات الماضية، لكن الوزير فضّل التركيز على النقطة الأولى: «المؤسسة ليسَت مسؤولة عن أزمة الإسكان». وهذا صحيح، لكن أحداً لم يقل إنها مسؤولة عن أزمة الإسكان. فالوزير وزملاؤه في السلطة هم المسؤولون عن السياسة الإسكانية التي لا تُنتج سوى التدمير البيئي والمزيد من البناء العشوائي وتحطيم أسس التنظيم المديني ورهن العائلات ومستقبلها للمصارف.غيرَ أن في جوابه عن سؤال أحد الصحافيين ــــ نقلَ له رسالة من مواطن اتصل به المصرف وأبلغه بإمكانية إعادة جدولة الفاتورة الشهرية الخاصة بالإسكان وأن مبلغاً بقيمة 100 ألف ليرة سيضاف إليها ــــ أربكَ الوزير، فعاد واعترف بوجود أزمة. الرجل واصل كلامه، مُحاولاً طمأنة المصارف والمواطنين بأن «المستحقات المترتبة على المؤسسة والمصارف هي نحو 129 ملياراً، وبالتالي إذا صُرفت الاعتمادات يبقى للمؤسسة هامش في استمرار دعم الفوائد». إذا صُرفت الاعتمادات؟ يعني ذلك أن المؤسسة لم تحصل على الـ 100 مليار ليرة التي رُصدت لها عام 2018، ولا الـ 100 مليار ليرة لعام 2019، والتي منها جرى اقتطاع الـ 35 ملياراً. أي أن كل تأكيدات الوزير عن الاستمرار في دعم الفوائد هي كلام على منبر، لأن الاعتمادات لا تزال حبراً على ورق. وإذا لم تدفعها وزارة المال في ظل الأزمة المالية المستفحلة، يعني أن التطمينات لا معنى لها.
أكثر ما سعى إليه قيومجيان لملمة ذيول ما أثارته «انتفاضة» مؤسسة الإسكان، وما أثير حول نقل المبلغ من شبهات. لذا، تهرب من الإجابة عن تصريح لحود، وألصقَ الأمر بمصادر من هنا وهناك. قال «ما ينقل في وسائل الاعلام شيء، وما يصرح به المدير العام لمؤسسة الإسكان شيء آخر، وما يصدر عنا يصدر عن الوزير والمدير العام للإسكان بشكل مباشر». ويبدو من هذا الكلام أن تدخلات جرت في اليومين الماضيين أسفرت عن اتفاق «تهدئة»، إذ يلفت مسؤولون في المؤسسة إلى «حلول يجري العمل عليها مع وزارة المال، وهي دفع الـ 100 مليار ليرة من 2018، و65 ملياراً من عام 2019، وإذا تأمن ذلك يعني بقاء مبلغ 36 مليار ليرة في صندوق المؤسسة». يقول المسؤولون ذلك من دون الجزم بأن الأموال ستأتي. وهو ما يُمكن ربطه بتأكيد الوزير «بالطبع، المؤسسة العامة للإسكان في أزمة، لذا في الورقة الإصلاحية التي تقدمنا بها كقوات لبنانية أصررت على ادراجها من ضمن المؤسسات العامة ليس لإلغائها، بل نريد تفعيل هذه المؤسسة ودعمها وتطويرها، فالمؤسسة منذ سنتين شبه مشلولة ونعمل لإيجاد مخارج في هذه الأزمة التي نعيشها. لقد التقيت وزير المال واتفقنا على أن نجتمع بعد الانتهاء من الموازنة للبحث بموضوع تأمين مستحقات الإسكان وتوفير السيولة لها»!
قيومجيان: اتفقتُ مع وزير المال... على أن نجتمع بعد الموازنة!


المؤتمر الصحافي للوزير القواتي زاد من الشكوك، وأكد وجود قطبة مخفية في الملف. وهي قطبة حاول تغطيتها بالشعارات الإنسانية. للمرة العاشرة ربما، يؤكد قيومجيان أنه «ليس لدى الوزارة عقود مع جمعيات فنية وثقافية رياضية، بل مع مؤسسات رعاية اجتماعية عددها 102 لذوي الاحتياجات وتعنى بالإعاقات الحركية والعقلية والسمعية والبصرية والصعوبات التعلمية والتوحد وحالات أخرى، ومع جمعيات تهتم بالأطفال الرضّع والمسنّين والأيتام ومدمنين والسجينات وشرائح أخرى». وهذه الجمعيات، جزم الوزير، ليست لزوجات سياسيين، باستثناء جمعيتين، إحداهما تابعة لزوجة الرئيس نبيه بري، رندة عاصي، والثانية لزوجة النائب السابق سليمان فرنجية، ريما قرقفي.
تجدر الإشارة إلى أن أحداً لم يعترض على دفع الأموال للجمعيات التي تقوم مقام الدولة في دعم الفئات الأكثر فقراً وهشاشة في المجتمع. لكن السؤال كان عن سبب عدم تأمين المبالغ اللازمة لدعم الجمعيات من أبوب أخرى غير مؤسسة تعاني أصلاً من نقص في موازنتها، ما قد يُلحق الضرر بآلاف الأسر التي «ورّطتها» السلطة في الاستدانة لتأمين مسكن، بدل وضع سياسة إسكانية لا تعتمد بالضرورة على التملّك بأسعار منفوخة.