عند تشكيل كل حكومة جديدة، يعود الحديث عن منح الأقليات المسيحية، لا سيما السريان، حقيبة. لكن في كل مرة تطفو وعود كثيرة من دون أن «تكتمل الفرحة» التي ينتظرها هؤلاء منذ الاستقلال. أخيراً، انتشر جو إيجابي في هذا الشأن، لا سيما مع حديث رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن ضرورة تمثيل السريان والعلويين، تلاه تصريح لرئيس الجمهورية ميشال عون خلال حضوره افتتاح المقر البطريركي السرياني في العطشانة عن ضرورة «عدم تهميش أي طائفة»، لا سيما السريان.على رغم ذلك، يشعر سياسيون ورجال دين من السريان و«الأقليات المسيحية» بالقلق. كلام رئيس الجمهورية أراحهم وكذلك كلام باسيل. لكن ثمة من يربط هنا توزير الأقليات بتوسيع الحكومة إلى 32 وزيراً، وإلا فلا مكان لأي إضافة سوى المتعارف عليها في السابق. ذلك على رغم أن الحجة خلال تشكيل حكومة تمام سلام كانت معكوسة، حين قيل إن تمثيل الأقليات يجري في حكومة من 24 وزيراً ولا يمكن تطبيقه على الحكومة الثلاثينية! هكذا يتبين أن كل الحكومات تجاهلت وجود شخصيات سياسية وتكنوقراط، ينتمون إلى طوائف «الأقليات». والتبرير موجود دائماً. يثير هذا الأداء حفيظة رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام، فالتمثيل لا يفترض أن يربط بحجم الحكومة بل بـ«حقوق طائفة من المرفوض أن تبقى ممنوعة من الصرف». ويضيف: «مهما كان عدد الوزراء، نصرّ على تمثيلنا وألا نبقى على هامش هذا النظام». وفي هذا السياق جرى الحديث عن إصرار الأرمن من جهة أخرى على الحصول على وزيرين، فشكّل هذا الطلب "حجة" لرئيس الحكومة سعد الحريري لرفض تمثيل الأقليات. عن ذلك يهم افرام التأكيد «أننا لا نتنافس مع أحد ولا نريد أن تأتي حصتنا على حساب أحد. نثق برئيس الجمهورية المؤتمن على حضورنا، لا بل حقوقنا بعهدته وهو يعرف كيف يثبت أنه الرئيس المشرقي الذي سينصفنا بعد أن بقينا طوال سنوات مهمشين من الإدارة والحضور النيابي». الأهم أن هذه الفرصة قد تكون الفرصة شبه الأخيرة، خصوصاً أنها المرة الأولى التي يثار فيها تمثيل الأقليات بهذا الصخب ويصرّ رئيس الجمهورية على «إعطاء كل ذي حق حقه». مطلب السياسيين ورجال الدين السريان هنا غير مرتبط بتوزير علوي من عدمه أو حصول الأرمن على وزير أو وزيرين.
يمكن منح مقعد لممثلي «الأقليات»، سواء كانت الحكومة من 30 وزيراً أو 24!

وهو ما يشير إليه افرام، إذ شكلت أكثر من حكومة من 30 وزيراً بوزير أرمني واحد وآخر للطائفة الإنجيلية: «حقنا ضِمن المجتمع المسيحي: توزير إنجيليين وأرمن وأقليات». لا يتعلق الأمر هنا بتوزير افرام من عدمه، هي قضية «إجحاف تاريخي يفترض أن ينتهي اليوم بتمثيل طائفة مهمشة في بلد أساس نظامه المحاصصة الطائفية». الكرة اليوم ليست في ملعب الحريري ولا حتى في ملعب باسيل. مفتاح «التمثيل العادل لكل الطوائف»، بما فيها الطوائف الصغرى، بيد رئيس الجمهورية ميشال عون الحريص على هذه القضية. والمسؤولية اليوم مضاعفة، لا سيما أن أول حكومة للعهد قفزت فوق ما يراه «سياسيّو الأقليات» حقوقاً لطوائفهم. ويقول بعض هؤلاء إنه بات لزاماً على الرئيس أن يصحح خللاً رئيسياً في نظام الطوائف، ولو جرى ذلك على حساب حصته الخاصة. فببساطة، الأمر لا يحتاج إلى تأليف حكومة من 32 وزيراً. يمكن منح مقعد لممثلي طوائف الأقليات من ضمن الحصة المسيحية، سواء كانت الحكومة من 30 وزيراً أو من 24 وزيراً حتى! فما ينصّ عليه الدستور والأعراف هو المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. وما عدا ذلك فليس أكثر من توزيعة قابلة للتعديل بقرار سياسي.