لم يُكتَب للوزيرة عناية عزّالدين التّقاعد السياسي المُبكِر، على غِرار وزيرات أُخريات مرَرنَ مرور الكرام في الحكومات السابقة. بل كُتب لها، على ما يبدو، أن تحمِل لقب أول سيدة من الطائفة الشيعية في المجلِس النيابي، بعد أن لازمتها هذه الصفة كأول مُحجّبة في عائلتها، وأول مُحجّبة تدخل كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، وأول فتاة تدخُل القفص الذهبي من بين أخواتها، وأول امرأة يختارها رئيس مجلس النواب نبيه برّي لتوزيرها من حركة أمل.
هذا ما يطبَع شخصية عزّالدين المتأنّقة دوماً بذوق كلاسيكي ناعم، وكأنّها تنقُل رسالة واضحة بأن الحدة التي صاحَبت بعض مواقفها، لا تُلغي لينَ المرأة التي تُراجع المشاريع في الحكومة بدقّة، مثلما تُراجع ملفّات مُختبرها الطبّي، وشؤون منزلها.
من يجالس ابنة منزل قدّم شهيداً هو حسن عزّالدين إبان الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982، لا بدّ له أن يخرُج بانطباع عن سيدة إدارية، قبل أن تكون سياسية، وهي التي جعلت موظفي وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، يستيقظون على رسائل هاتفية تبعثها قبلَ ساعات الفجر الأولى لتوزيع مهمات يوم عمل طويل.

لم يكُن سهلاً على عزّالدين أن تكون المرأة الوحيدة في مجلس الوزراء. تجربة قصيرة، لكنها أشبه بدورة عسكرية مُكثفة. تجدها دائماً متخفّية وراء تقنية القوة الناعمة، التي جعلت من مداخلاتها في مجلس الوزراء، ذات مضامين «مُستفزّة» للبعض، خصوصاً أنها كانت تُجهض في المهد بعض الأفكار المطروحة، ليس أولها تقديم عرض مفصّل بشأن خطّة الكهرباء التي عرضها وزير الطاقة سيزار أبي خليل، ولن يكون آخرها اعتراضها في جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الفائت على قرارَي سفر وزير الصحة غسان حاصباني، لأنه طلب من المجلس تغطية رحلتَي سفر إلى الخارج لا علاقة لهما بعمله في وزارة الصحة.
حينَ اختارها برّي لتكون أول سيدة «حركية» تخوض التجربة الوزارية، تفاجأت عزّالدين بالقرار، الذي ظلّ سرّاً بينهما إلى حين إعلانه. لكن عنصر المفاجأة انتفى حين ضمّها رئيس المجلس إلى لائحة مرشحيه للنيابة (عن قضاء صور في دائرة الجنوب الثانية) «لأنه كان متوقعاً» كما تقول. لكن لماذا اختارك برّي لخوض التجربة النيابية؟ تجيب الوزيرة المتمسكة بمقولة أن «الحياة تستجيب للمُثابرين»، والقادرة على الفصل بين التباهي وإنصاف الذات، بجردة تسجّلها في خانة الإنجازات المرتبطة بوزارتها، أبرزها «مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وهو مشروع بدأ منذ عام 2011، ووضع مخططه التنفيذي في الحكومة الحالية»، إضافة إلى «مشروع الاستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي، الذي يُعَدّ أهمّ وسيلة تُساعد على إصلاح الإدارة، ومكننة الأعمال الإدارية والهدف منه تسهيل حياة المواطن وتحقيق الشفافية».
عزّ الدين التي يفترض أن تنضم إلى البرلمان، تدرك الفارق بين النيابة والوزارة، بين العمل الرقابي والتشريعي وبين العمل التنفيذي في خدمة كل اللبنانيين، «لكن المهمّ هو إتقان المهمة»، تقول مستشهدة بالحديث النبوي: لأن «الله يُحبّ إذا عمِل أحدكم عملاً أن يُتقنه». ولذلك بدأت عزّالدين نشاطها الانتخابي قبلَ الاستحقاق المنتظر في أيار المقبل، فقامت بجولة على الفعاليات والهيئات الصورية، حيث النيابة «تتطلّب علاقة مباشرة مع الأرض والناس وأنا بنت الأرض».
عناية عزّالدين وزيرة حاضرة دوماً. تستطيع أن تلتقي بها صباحاً في مجلس الوزراء وظهراً في الوزارة وبعد الظهر في مختبرها الطّبي، وليلاً في عين التينة. كل ذلك في يوم واحد، لا يخلو من النشاطات السياسية والاجتماعية، ولا يمنعها من الانضمام إلى عالم مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحاتها على تويتر وفايسبوك التي تديرها بنفسها.