في عرض الـ«ستاند آب» الذي يقدّمه هذه الأيام في بيروت تحت عنوان «لوكداون»، ينحو الفنان الفلسطيني علاء أبو دياب (الصورة) باتجاه إنتاج فنّ يخاطب الاهتمامات الدولية، وتحديداً لناحية القضية الفلسطينية وممارسات الاحتلال الإسرائيلي وأحوال المهاجرين العرب في أوروبا، ليطرح علاقة عالمَيْ الشمال والجنوب بطريقة لطيفة وممتعة، تأخذ شكل مشهدية «مينمالية». على مدى ساعة، قدّم أبو دياب في «مترو المدينة» (الحمرا)، عمله الجديد الذي سيحمله اللّيلة إلى KED (الكرنتينا) قبل أن يغادر العاصمة اللبنانية. خلال السنوات الماضية، حقّق «الستاند آب كوميدي» شعبية واسعة في العالم العربي وبات أشبه بظاهرة تأثيرها واضح على الجمهور.
في «لوكداون» الذي يتنقّل بين دول عدّة، يفتتح الفنان الحديث بطائر الفينيق، ثم يمرّ على أزمة الدولار وتشريح الواقع اللبناني، مقدّماً مقاربته للانهيار الاقتصادي والمعيشي الحاصل بأسلوب تهكّمي. يحق له ذلك! لكن في ظلّ الأوضاع المتردّية، نفدت التذاكر بسرعة، رغم وصول سعرها إلى حدود 200 ألف ليرة لبنانية. حتى إنّنا كوسيلة إعلامية لم نتمكن من حجز مقعد، فيما قيل لنا إنّ علاء وقته ضيّق ولن يستطيع إجراء أي لقاء! بات الفنان الذي انطلق من السوشال ميديا ومقاهي القدس المحتلة وتجمّعات الأصحاب، نجماً لا وقت لديه للأسئلة!
يأتي علاء على ذكر أساطير شعوب المتوسط التي يبدو أنّه على دراية بتاريخها السياسي والاجتماعي والاقتصادي. يعرّج على العُقد الذكورية والسلطوية، مهاجماً أي شخص «زبطت معه نكتّين، بيفتح مسرح». يحاضر بنا بأسلوب لطيف: «الألم مهمّ لنستمر بالحياة». يسرد تفاصيل حياته في السويد وعلاقته بزوجته وما يسمى بـ «نكد» النساء، تحديداً أثناء الحمل. يسخر من أساليب التربية الحديثة، ويستذكر تربية أهله له. يحب الأطفال، لكنّ محبّته لهم ليست كـ «حب الكاهن المتحرّش منصور لبكي»، كما يقول. ملمّ أبو دياب بالوضع اللبناني، شأنه في ذلك شأن أي عربي يرى أنّ متابعة السياسيّين اللبنانيّين ومعرفة أسمائهم، كالـ «بورنو» السياسي، على حدّ تعبيره. يسخر أبو دياب من صورة الرؤساء العرب. «أبو مازن» تحديداً. يُسهب في الحديث عن علاقة عالم الشمال بالجنوب، والعولمة، وأصدقاء البيئة، واحتفال السويد بمئتي سنة سلام.
ما هو تأثير ذلك على الجمهور؟ أي انطباع تتركه هذه العروض على المتلقّين؟ يخرج جمهور الحفلة الأولى ليدخل جمهور الثانية. يبدو أنّ العرض يُحاكي تطلّعاته. لكن ما هو سرّ انفراج الأسارير إلى هذا الحدّ؟ إنه التطهير (Catharsis)... نظرية إشباع المتفرّج أو التنفيس الوجداني، بحسب أرسطو الذي يقول إنّه إلى جانب المتعة الجمالية التي ترتبط بأي عمل فني، هناك متعة يخلقها التطهير. فما ينتج عن مشاهدة العرض، يحقّق التنقية في نفس المتفرّج ويُفرغ شحنة العنف الموجودة داخله، ما يحرّره من أهوائه.
كثرة الضحك والتصفيق هدّدت العرض أحياناً، بينما لم يوظّف علاء تقنيات الممثل الصوتية التي تخوّله الاندماج مع تقلّبات العرض. هو يحتاج ربّما لجلسات «إدارة ممثل»، لأنّ المسرح مختلف عن فيديوات الفايسبوك، ويتطلب تقنيات ومهارات صوتية عالية. على مستوى الجسد، لا يتنقّل الممثل الكوميدي كثيراً على الخشبة. خيار تمثيلي قد يكون صائباً، في عروض مماثلة. لكن أن يقف مائلاً بجسمه طوال الوقت تقريباً، وفي البقعة نفسها، فهذا لا يحمل أي بعدٍ فني. لن نأتي على ذكر «الميزانسين» أي تكوين المشهد، فهذه العروض لا تحتمل كلّ هذه الأساسيات الفنية، لكن يوحي الوقوف في بقعة واحدة، بأنّ الممثل يستهتر بالجمهور. وكأنّه يقول لنفسه إنّه مهما فعل، فالضحك مضمون. في كلّ الأحوال، لا يحتمل العرض الكثير من التحليل والتأويل، لأنّ غالبية الجمهور جاء ببساطة توقاً للضحك في خضم المشهد السوداوي الذي يعيشه.

* «لوكداون» لعلاء أبو دياب: اليوم الجمعة ــ الساعة الثامنة مساءً ــ awk.word (مسرح KED ــ الكرنتينا/ بيروت). للاستعلام: 81/450492