فجع العالم الفني أول من أمس برحيل «برينس» (برينس روجيرز نيلسون ـــ 1958 ــ 2016) بعدما وجد جثة هامدة في مصعد استديواته في شانهاسن في ولاية مينيسوتا. كان المغني والمؤلف والعازف الأسمر علامةً فارقة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الفائت، من خلال ألبوماته وما رافقها من سلوكيات صاخبة «عنونت» جيلاً بأكمله. لقد كان أميراً ــ في لحظاتٍ ما ــ للفن عموماً، وليس للبوب أو للروك - بوب فقط. استطاع التفوّق على جميع معاصريه، ونال جوائز لا تعدّ ولا تحصى، أبرزها: 7 جوائز «غرامي»، «غولدن غلوب»، و«أوسكار»، فضلاً عن بيعه لأكثر من 100 مليون إصدار عبر العالم، ما أهَّله ليكون واحداً من أكثر الفنانين مبيعاً عبر التاريخ.لم يكن «برينس» شخصاً عادياً أبداً. أمير البوب وملكه ــ غير المتوّج ـــ كان مزيجاً مدهشاً من كل شيء: من يستطيع مثلاً أن يطلب من الجمهور أن يذكّره باسمه في حفلةٍ ولأكثر من عشر دقائق كاملة ضمن لعبة الأخذ والرد المعتادة؟ أو حتى تغيير اسمه بشكلٍ كامل إلى حرفٍ غير قابلٍ للنطق (الحرف هو «رمز الحب»)؟ من يستطع مثلاً عند سؤاله عن «ملك البوب» الراحل مايكل جاكسون من قبل بيتر ويليس مراسل الـ «ميرور» البريطانية أن يجيب بالحرف الواحد «السؤال التالي»؟ من يمكنه القول بأنه كان «شخصاً أبعد ما يكون عن الأخلاقيات» كما كانت تتباهى معظم وسائل الإعلام الأميركية بوصفه، في الوقت الذي كان فيه متديناً وعضواً نشطاً منذ عام 2001 في حركة «شهود يهوه»؟ حتى إنّ إحدى السيدات أكّدت أنه ظهر على باب منزلها، كما يفعل أعضاء الجماعة الدينية لدعوتها «دينياً». أكثر من ذلك، يشار إلى أنَّه رفض إجراء عملية جراحية ضرورية في الحوض لأنّ «الشهود» يحرّمون فكرة نقل الدم.
كثيرون في الأجيال الجديدة لا يعرفون عن برينس سوى «صوره» المدهشة والأندروجينية (Androgyny)، مطلياً بالكثير من الماكياج، أو عاري الصدر مع بنطالٍ من الجلد الأسود، وشعره المجعّد (أو المسرّح بعناية) مع تذكير ـ بسخرية أحياناً- بأنّه من ثمانينيات القرن الماضي. كثيرون لم يسمعوا بأيٍ من أغنياته؛ من يذكر أغنية purple rain مثلاً (مرت في فيلمٍ بالعنوان نفسه وحاز فيها أوسكار أفضل موسيقى تصويرية)؟ أو ألبوم «1999» (أصدره في 1982) الذي غيّر شكل الموسيقى الحديثة كما نعرفها؟ ما لا يعرفه جيلٌ أكثر حداثة أنَّ الرجل لم يكن مجرّد «صورةٍ» منمقة، فقد كان مثلاً بحسب «نيويورك تايمز» «مهندساً عبقرياً في الفانك، الروك، الـ «أر. أند. بي»، والبوب»، أو بحسب الناقد سيمون رينولدز، فإنّه «جمع بين موسيقى يعتبرها كثيرون متناقضة وأحياناً في أغنية واحدة»؛ مما جعل كثيرين من النقاد والباحثين الموسيقيين يقارنونه بأسطورة الجاز مايلز ديفيس لجهة القدرة على «التحوّر» موسيقياً، والتوسعية العالية في حرفة الأداء. كان صوته قادراً على الأداء على أكثر من طبقة. لذلك كان في الكثيرٍ من الأحيان يسجّل أصواتاً «أمامية» و«خلفية»، ولا يميز المستمع أنها للمؤدي نفسه، حتى إنه كان يعنون تلك المشاركات بأسماءٍ وهمية مثل «جوي كوكو» كما فعل في أغنياتٍ كثيرة من ألبوماته في الثمانينيات. كان برينس يعزف على أكثر من خمسين آلة موسيقية، بل إنّه عزف على أكثر من 27 آلة في ألبوماته الخمسة الأولى. لاحقاً، أشار في مقابلة تلفزيونية حين سئل عن الأمر: «أنا أعزف ألف آلة».
تخطّى الفنان الصاخب، حواجز عدّة شخصياً كما اجتماعياً: تجاوز لون بشرته السمراء داخل أميركا شديدة العنصرية إبان سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. في هذا الصدد، أشار ستيفن ثراشر من الـ «غارديان» البريطانية: «لقد غيّر برينس تماماً ما هو متوقع من أي رجلٍ داكن البشرة». أضف إلى ذلك أنّه واحدٌ من أوائل الفنانين الذي وضعوا الماكياج الصارخٍ حتّى على المسرح؛ متخطياً حاجز «الجندرية»، فبدا في صورٍ كثيرة أقرب إلى «فتاة» منه إلى «رجل». أمر أثبته أكثر من مرّة عبر استعماله أسماء «نسائية» كما جرى حين خلق شخصية «كاميل» في أغنية If I was your girlfriend، أو حين عزف الغيتار في أغنية مادونا الشهيرة Like a prayer. هذه المقدرة الهائلة على تخطي المعتاد والقدرة على إثارة الإشكاليات، ساهمت كثيراً في خلق أسطورة «برينس».
شخصياً؛ كان الفتى الفقير القادم من أحياء مينيابوليس في ولاية مينيسوتا الأميركية، من عائلةٍ فنية بامتياز. والده كاتب أغنيات ويعزف البيانو، ووالدته مغنية جاز. أبدى اهتماماً ملحوظاً بالموسيقى (مع شقيقته تيكا)، فألّف أغنيته الأولى Funk Machine، وهو لا يزال في السابعة من عمره على بيانو والده في منزلهم. ذلك لا يعني أبداً أنه كان سعيداً في حياته. كان لطلاق والديه وهو في العاشرة، أثرٌ سلبي عليه، فترك منزل العائلة وعاش عند جيرانه. على الجبهة الفنية، لم يكن طريقه مفروشاً بالورود. في مقابلةٍ مع الإعلامي الأميركي المعروف ديك كلارك، أشار برينس إلى أنه «قدّم أكثر من 25 شريطاً دعائياً (Demo Tape كما كانت تجري العادة في السابق) لأغانٍ عدّة، ولكنها جميعها رفضت من قبل شركات الإنتاج».