1. غرفتُهُ:لم يملكِ المالَ، لأنَّه لم يعمل. كان يقرأ الرواياتِ المقرصنةَ المنشورةَ على الإنترنت، وبعد الانتهاءِ من كلِّ واحدةٍ يسجّل عنوانها على ورقةٍ، يُلصقها على حائطِ غرفته، ويقولُ إنّه سيشتريها حين يمتلكُ مالاً. ظلَّ يقرأ ويُلصق، إلى أن صارَ يعيشُ في غرفةٍ ورقيّةِ الجدران.

2. سوءُ فهمٍ:
يغرقُ كلُّ شيءٍ في الظّلام والنّوم، فيما غرفتُهُ مضاءةٌ بنورِ شموعِهِ. في الصّباح، بينما يتمشّى على طول الشرفة، مُسترجعاً ما قرأه، مُفكِّراً في ما سيكتبه، تقتربُ منه العجائزُ مُبكراتُ الاستيقاظِ، ويطلبنَ: «صلِّ من أجلي يا أخ!». هُنَّ اللواتي، من تكرارِ رؤيتهنَّ لجزيرته الصفراء طافيةً في بحر الظّلمات، بِتنَ يؤكِّدنَ أنّه سيلتحقُ بالدّيرِ عمّا قريبٍ ليصيرَ راهباً مبتدئاً. كان يتنبّه من شروده على صوتهنّ الراجي، فيبتسمُ من وسط لحيته العريضة المهملة.

دافيد جامان ــــ «القارئ على الأريكة الحمراء» (زيت على قماش، 2019).


3. طعامُهُ:
يذكّرونه بجوعه، يدعونه لمشاركتهم موائدهم العامرة أو لاقتسام لقماتهم البسيطة، لكنه يَثبتُ على حرصه بألّا يُقيم صداقاتٍ معهم، كي يستطيع مفارقتهم والانتقال إلى أمكنةٍ وأزمنةٍ أخرى، يتعرّف فيها على شخصياتٍ جديدةٍ لا يشاركهم الخبز والملح أيضاً.

4. صديقُهُ:
لأنَّه ليسَ في محيطِهِ من له اهتماماتُهُ ذاتُها، وكي لا يظلَّ يحكي مع نفسِهِ كالمجانين الرسميّين، أحضر دمية الكلب الأبيض التي كانت له في طفولته، ووضعها أمامه على طاولته. بعد فترةٍ، لم يَعُدْ بحاجةٍ لمن يسمعه وحسب، بل لمن يفهمه ويناقشه أيضاً. نظر في عيني كلبِهِ، واستهلّ طرح أفكاره بنباحٍ هادئ.

5. قبلَ نومِهِ:
في البدايةِ ظنَّ أنَّ إرهاقَهُ هو السبب في غَبَشِ الكلمات، لكنّه اكتشف أنّها تتحرّك بالفعل. دبَّتْ كنِمالٍ، مُفكِّكةً سطورَ المجموعةِ التي تحوي مختاراتٍ من القصص السِّحريّة لبورخيس وأستورياس وكيروغا وكورتاثار، تسلّلتْ بين الكتبِ الورقيّةِ القليلةِ المبعثرةِ على الطاولة، ودخلتْ في المجلّدِ الضّخمِ لألفِ ليلةٍ وليلة.

6. داخلَ نومِهِ:
يحلُمُ أنّه قرأ كلَّ ما كُتِبَ منذ أن بدأتِ البشرية بالتدوين، لا لأنَّه مُنِحَ عمراً لا نهائيّاً، بل لأنَّ مكتبةً عظيمةً كانت نعشه، ومن حوله توزّعتِ الكتبُ كأزهارٍ لا تذبُل، يكفيه أن يمدَّ يده ليحصلَ على ما يريدُ منها؛ العناوينُ التي علّقها على حيطانِ غرفتِهِ، وتلك التي لا تتّسعُ لها أيَّةُ حيطان.

* سوريا/ بيروت ـــ من مجموعة قصصيَّة بالعنوان نفسه صدرت حديثاً عن «دار التنوير» (تونس/بيروت)