القاهرة | تحت لافتة تبدو طموحة حملت عبارة «التجديد في الفكر الإسلامي»، نسفَ شيخُ الأزهر أحمد الطيب كلّ محاولات التجديد في حديثٍ ظهرَ كأنّه مناظرةٌ قاربت الـ 45 دقيقة مع رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت، ما كشف عن وجه «محافظ» لرجل تخرّج من السوربون، ولطالما تغنى بتبنّي «الوسطية». خلال المؤتمر الذي جرتْ فعالياته الأسبوع الحالي في القاهرة، بحضور ممثلين عن 46 دولة، تحدّثَ رئيس جامعة القاهرة عن ضرورة البحث عن رؤية جديدة للتعاطي مع العالم، وعن «تعددية الصواب» في مسار الفكر الإنساني وعدم وجود رؤية واحدة وأحادية لأي ظاهرة أو مسألة.
«سجادة أبي» للفنان المغربي منير فاطمي (كولاج، سجادة صلاة مصنوعة يدويّاً ـــ 140.3×95.3 سنتم ـــ 2010)

وأوضح الخشتُ أنّ الواقع البحثي في الجامعات المختصة في الخطاب الديني استاتيكيٌّ يستعيد المعارك القديمة منذ عصر الفتنة الكبرى، داعياً إلى تطوير علوم الدين وليس إحياءها. من جانبه، طالب شيخ الأزهر التعقيب، بقوله «مقولة التجديد مقولة تراثية لا حداثية» مدافعاً عمّا أسماه بـ«قوانين الشريعة الإسلامية التي كانت تسيّر العالم الإسلامي قبل الحملة الفرنسية. أما الحداثيون فيصدعوننا ويزايدون على قضية الأمة». مع انتشار فيديو «المناظرة»، هلّل كثيرون لشيخ الأزهر، معتبرين أنّ مداخلته ردّ صاعق على رئيس الجامعة، ومن بينهم مَن يُحسب على المثقفين، لكنه سبح مع أصحاب الوعي الشعبوي، وابتلع المغالطات المنطقية التي لجأ إليها رجلُ الأزهر الأول، وراح يصوّره «العالِم العلامة» في مواجهة «مدّعي معرفة».
تجدر الإشارة هنا إلى أن الكتّاب الذين ناصروا الطيب بعد قوله: «التجديد يكون في بيت والدك لا في الدين»، أغلبهم يتبنّى «خطابياً» الدعوة إلى الدولة المدنية، ويتعالى على الناس الذين يرزحون تحت وطأة الجهل، فيما يقف في صف الرجعية الأزهرية، ربما لأنه اعتقد أن رئيس جامعة القاهرة يمثل السلطة السياسية، وشيخ الأزهر جانباً من المعارضة، بخاصة في رفض المشيخة مقترح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بضرورة توثيق الطلاق وعد الاعتداد بالطلاق الشفهي. كما لم يوضح الطيبُ مفهومَ الدينِ الذي يجب أن يبقى في معزل عن التجديد: أيّ دين يقصد؟ هل الوهابية التي تعتبر الأشاعرة «المذهب الرسمي للمشيخة» خارجة عن الإسلام أم التصوف الذي ينال حظه من الهجوم السلفي والاتهام بـ«الشرك»؟ شيخ الأزهر الذي نحا خطابه في السنوات الأخيرة إلى استمالة التيارات السلفية، رغم هجوم الأخيرة على فرق التصوف التي ينتمي إليها الطيب، اعتبر أن الاختلاف في العقائد «رحمة من الله»، لكنّه ضاقَ بالاختلاف داخل المذهب الواحد، ما جعله ينال تصفيق أغلب الحضور الأزهريين، مرات عدّة، قبل أن يتبنى رؤية شعبوية حيال الرؤى والدراسات الفكرية. الرجلُ الذي اتّهم السياسة باختطاف الدين، في الحديث عن الفرق بين مذهبَي الشيعة والسنة ومعرض دفاعه عن «الصحابةِ في الفتنة الكبرى»، لم يُبينْ للحضور ما إذا كان الصحابةُ اختطفوا الدينَ في حربهم أم أنهم كانوا منزهين كما حاول أنْ يقدّمهم في كلمته؟ ومع مذمة السياسة، سوّق شيخ الأزهر نفسه زعيماً سياسياً لا أستاذاً للعقيدة والفلسفة الإسلامية، أو حتى رئيساً لمجلس حكماء المسلمين.
رَفض شيخِ الأزهر الصريح التعامل مع التراث من منظور عصري بقوله: «ابعدوا عن التراث» أو اتّهام من أسماهم بـ«الحداثيين» بأنّهم مزايدون، يكشف عن وجه جديد لم يكن ظاهراً على هذا النحو عند الرجل الذي صوّرته وسائل الإعلام المصرية والعربية بـ«المعتدل والمتسامح»، فيما يخفي وجهاً جامداً وعقلية متحجرة ورؤية تنتصر للقديم على حساب معطيات العصر. ويمكن أيضاً أن نتلمّس غضباً من قبل الطيب، بتعريج الخشت على شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت (1893-1963) ووصفه بـ«المجدد الحقيقي»، ما أغضب زعيم المشيخة، فأعاد إلى الخشت هديته المتمثلة في كتاب الأخير «نحو تأسيس عصر ديني جديد».