عام 1982، أنجز مارون بغدادي (1950 ـ 1993) فيلم «حروب صغيرة». لم يلق الكثير من الرضى عند عرضه. اليوم تختلف النظرة إلى هذا العمل، كونه قارب الحرب للمرة الأولى آنذاك من منظار مختلف، حاملاً أسئلة جديدة نابعة من التحوّل الذي طرأ على من عاش أحداث هذه الحرب.
قضى بغدادي سنوات في تصوير الحرب من خلال أعمال وثائقية. كانت هذه الرحلات، بمثابة بحث عن أبطال وشخصيات «حروب صغيرة». شاهد مارون التحولات داخل الإنسان الذي يعيش الحرب. اقترب من القصص الفردية الصغيرة. أراد أن يروي من خلالها حكايته هو عن الحرب التي كان قد مرّ أكثر من خمس سنوات على بدايتها.
مع بداية الفيلم، ينقلنا بغدادي مباشرة إلى أجواء الحرب، يضعك أمام أمرها الواقع. تتناول الأيدي صورة لشاب توفى ربما انتحاراً (صورة مارون بغدادي). شابة تودع مسافرين في مطار بيروت، شاب آخر يعيش مطاردات مسلحّة في مدينة الفوضى والمسلحين. الموسيقى المتوترة (غبريال يارد) تتدخل من البداية. ثمّ ينتقل الفيلم الى مع الشخصيات الرئيسية في الفيلم، الى يوميات حرب يتعوّد عليها الناس شيئاً فشيئاً، ويتحوّل من يعيشها مع الوقت.
يصوّر الفيلم الموت البطيء في داخل كل واحدة من هذه الشخصيات. أفكار وتساؤلات، عن البقاء أو الرحيل؟ عن جدوى الحرب؟ القضية؟ هل هي حرب على الإقطاع أم إنتاج لإقطاع جديد؟ هل هي حرب الجميع من أجل الجميع أم هي حروب صغيرة، حرب كل فرد منّا. في الفيلم، سيصبح لكل من الأبطال حربه صغيرة الذي يعيشها في ظلّ الحرب الكبيرة الدائرة. مصوّر الحرب الذي يريد أن يصبح بطلاً من أبطال هذه الحرب. الفتاة تريد أن تحبّ، تريد أن تهاجر وتريد أن تفهم، وحبيبها، البيك الصغير، تجرّه الحرب غصباً عنه، لكنه يتحوّل مع الوقت إلى أحد أمرائها، ويجري بدوره خلف حروبه الخاصّة.
عن هذا العمل، يقول هادي زكّاك إنّ مارون بغدادي انطلق من نفس تجربة «بيروت يا بيروت»، لكن التركيبة مختلفة حيث مجموعة شباب، بينهم امرأة، من خلفيات سياسية واجتماعية مختلفة، يعيشون تحوّلات بيروت الديموغرافية والإجتماعية.
ويعتبر أن كتابة هذا العمل في بداية الثمانينيات، مكنّت بغدادي من تقديم نظرة مختلفة عن الحرب بعدما شكلّ مرور السنوات مسافة استطاع المخرج أن يستغلّها ليتأمّل هذه الحرب من جديد. بهذه النظرة الجديدة، عاد في «حروب صغيرة» الى البداية، الى «حرب السنتين» 1975 و1976.
شارك في البطولة، الممثلان ثريا خوري (ثريا بغدادي)، روجيه حوّا، رفعت طربيه، نبيل اسماعيل وعصام الحاج علي، وشارك الفيلم في «مهرجان كان».