كل الحيل السردية في نص واحد. هذا باختصار ما نجح الروائي السوداني حمّور زيادة (1977) في تحقيقه عبر روايته «شوق الدرويش» (دار العين ـ القاهرة) التي نافست في القائمة القصيرة لـ «بوكر». رسم زيادة ـ باقتدار المخضرمين ـ لوحة ثرية بكل الألوان. ثمة قصة حب تجمع بين بخيت منديل وثيودورا. ليس أي حب، بل هو حب خرافي يليق بأبطال الأساطير.
تراجيديا إنسانية تفيض شجناً ولوعة. ثمة في الخلفية تاريخ يُلتقط من زاوية عكسية. زاوية تُقارب للمرة الأولى الثورة المهدية من الداخل، والخارج، ومختلف الأبعاد، وتستجوب الحركة المهدية (1843 م). ليس ذلك فحسب. إلى جوار القصة الإنسانية ومنحنياتها الدرامية المنسوجة بعناية، تطرح الرواية، بشكل فني، مجموعة ثنائيات وجدليات عن الإيمان والكفر والشك واليقين والحب والكراهية. وربما تكون نقطة التميز الكبرى في الرواية قدرة الكاتب على تحويل تلك التساؤلات الوجودية إلى دراما في النص. حكايات وشخصيات وعلاقات وتواريخ ووقائع مغزولة بالحكايات، بحيث لا تبدو ناتئة في السرد.
بالتوازي مع هذا الزخم في الدراما والموضوع، كان زخم التقنيات والأدوات، الاسترجاع والاستباق والتناص والميتاليتراتورا (الكتابة عن الكتابة) والتقطيع وغيرها من التقنيات السردية، التي وظَّفت في النص ببراعة، لا للزخرفة واستعراض العضلات، بل لأنّ الضرورة الفنية اقتضتها، ولأن المنتج النهائي ما كان ليصل إلى تلك الدرجة من الفنية والنضج، وما كان له أن يفيض بكل ذلك الشجن لولا توظيف تلك التقنيات في مواضعها تماماً.
بخلاف اللغة، والوسيلة والغاية، فلغة حمّور زيادة ترقى إلى مصاف الشعر. ليست شعرية مجانية، بل وفقاً لحاجة النص ومساراته، لأن زيادة في مواضع أخرى يحتفي باللغة التراثية، أو يجنح للتقريرية، يسيل أو يجف وفقاً لحاجة النص وظهوراته. الحرفية الناضجة التي غُزلت بها مغامرات بخيت منديل وحبسه ظلماً وحبه لثيودورا، وشخصية الحسن الجريفاوي وصعود الثورة وهبوطها، والفكرة الثرية الموغلة في المحلية والمنفتحة على اتساع الإنسانية، توهّل «شوق الدرويش» للذهاب بعيداً.
* حمّور زيادة ـــ «شوق الدرويش» (دار العين ـ القاهرة)