كيفن بيري *
ترجمة أماني لازار
بالتأكيد، لا يمكنك الحصول على لحم الخنزير في وقتنا الحاضر. لحم البقر ليس بالغ السوء. سأقدم لكِ لحم البقر. لكن لحم الخنزير؟ قد تأكلين الفِراش اللعين أيضاً. وسأجزع صراحة، على شرف خنزيرنا الإنكليزي. لكن من ناحية أخرى، أنا أهتم لأشياء عديدة. مع ذلك، هي ليست نفس الخنازير التي كانت سابقاً، أليس كذلك؟ أو على الأقل هذا ما يبدو لي. أقصد، كنت تنتظر أن يصدر بعض الأزيز عندما تضع لحم الخنزير المفروم، ألم تكن تفعل؟ أنت تحب الدهن، ترغب بالتعرق، لكن في هذه الأيام؟
أوه لهذا أنا خائف. نعم، لقد وصلت إلى مرحلة من حياتي وجدت فيها أنني أُكثر من استعمال تعبير «هذه الأيام». قَطِّع الثوم، رقيقاً وأنيقاً. أوه ها هي تنبعث، نفحة الثوم الظريفة المتوسطية. يمكن أن أكون – لا أعرف – في سردينيا، أليس ذلك ممكناً؟ لكن بالطبع أنا لست هناك. لا أزال في كرامبسال. كرامبسال الجهنمية. أربع وثلاثون سنة والعدُّ مستمر. أفرم بصلة، أذرف بعض الدموع. الحيز تغير. الثوم يلين، سأدفع بالبصل المفروم فيما بعد. كثيرون يقولون إنه ينبغي وضع البصل أولاً، حتى يلين، ومن ثم تضع الثوم، لكن هذه ليست طريقتي. أضع الثوم أولاً ومن ثم البصل. الحياة شديدة الاضطراب هنا.

ألف وتسعمئة وثلاثة وثمانون؟ كنت أعمل غالباً في شركة تأمين الطرف الثالث ضد الحريق والسرقة. وظيفة لم تكن خالية من الإثارة. أتذكر الليلة التي احترقت فيها قاعة الموسيقى. لقد كان عملاً مزعجاً في ذلك الوقت. أولاد، لا أشك بذلك. ولم يلقَ القبض عليهم أيضاً. بأية حال. هي كانت في مكتب الطباعة.
عندما كان لا يزال هناك مكتب للطباعة. وجدتني أتسكع هناك في نهارات كثيرة، حتى ولو لم يكن لدي عمل. مواعين ورق الـ A4 وورق الكربون الأزرق وفرصة لبعض المغازلة، تحت بمحاذاة مخزن الإمدادات، أنت تتكبدين عناء التصحيح في هذا الطقس، يا آنسة...
الغريب أني لا أستطيع تذكر اسمها. ليس لدي شك أن طبيبي النفسي سيكون لديه ما يقوله في هذا الشأن. لكن هذا ليس المجال الذي نتعمق فيه أنا والسيد مولزورث عادة. حياتي العاطفية، أو الحرمان. كانت آخر شخص واعدته – وهذا يصعب تصديقه. منذ ثلاثين عاماً. أمر يدعو للرثاء. علاقتي الأخيرة.
الآن نضع لحم الخنزير المفروم، المروِّع في الحقيقة، ولحم البقر المفروم، وهو أفضل. لن يكون لدي ما أخشاه على قطيع ماشيتنا الإنكليزي. أراه في حقل من عشب الصيف المصفرّ العالي، وهكذا دواليك، ينتهي الارتجال. الآن لا بد أن أركز على خلط لحم الخنزير ولحم البقر للحصول على صلصة بولونيز صحيحة. أقصد التي أصبحت تسمى هذه الأيام سباغيتي بول (1)؟ أمر معيب. أحمَرّ خجلاً. تناولتُ وعاء مليئاً في مصلحة الطريق السريع الأسبوع الماضي، وربما وضعتم آجراً مع الأشياء. غراء برتقالي اللون.
سأحمّر اللحم. يستغرق ذلك بضع دقائق. هناك أزيز يصدر عن دهن لحم البقر، على الأقل، وهذا هو المذاق المطلوب تماماً. إنه الدهن.
فرقة فان بوي ثري (2). تتبادر إلى ذهني عندما أفكر بالآنسة يا له من وجه وجهها. كانت لديهم أغنية مشهورة. «المعتوهون استولوا على مشفى المجانين». لديهم أغنية أخرى بالاشتراك مع فرقة باناناراما، سابقاً أليس كذلك؟ وسوف أتخيل واحدة من فرقة باناناراما، في الحقيقة، ترتدي تنورة الراه راه. كارين؟ أو أنها كانت كيرين؟ أنا وأسمائي الرهيبة. لكن بأي حال. إنه صيف طويل حار. إنه عام 1983. أنا بأكمام قصيرة في المكتب. أصفّرُ أغنية لفان بوي ثري. أشعر بطرب بشوش. على غير العادة. بمحاذاة مكتب الطباعة. على وشك أن أرميها بنظرة. لكني جعلت مروري عادياً، وهي... أقصد، أليست على وشك أن تنظر نحوي؟ إنها تبتسم لي ابتسامة جيدة. الآن، لم تكن فتاة ضئيلة الحجم. لا. وهي ليست امرأة ضئيلة بأي شكل من الأشكال. ليست كذلك. أقصد، لقد رأيتها هكذا. أوه وهي هكذا-سجينة مدى الحياة في كرمبسال هي الآنسة يا له من وجه وجهها. أو زوجة، الآن كما أفترض. لا أعرف ما إذا كانت لم تتعرف إلي-أقصد، بسبب حال شعري، أو نقص... وبسبب الصدفية... أو ربما تعرفت إلي وتجاهلتني؟ باعتبار... حسناً.
لكن رأيتها. في الحديقة العامة. قرب المسلة. مع العائلة. كانت دوماً من هؤلاء الأطفال الذين يظهرون فجأة بالقرب منك إلى حد ما. لها أوراك ضخمة. رأيت ذلك فيها. لم أكن لأنتقد الفتاة، هي طفلة. الأحمق يمكنه أن يرى ذلك.
الآن، أنت لن تضع الطماطم المعلبة بحسب ظني. القمامة التي جلبتها من الأكشاك! الطازجة ظاهرياً؟ أوه. ما يقصدونه هو أنها طازجة في فنزويلا منذ ستة عشر شهراً، وفي الشاحنات المبردة منذ ذلك الحين. كاذبون ومخادعون هم العاملون في الأكشاك. لا، أنت أيضاً تستعمل المعلبات عندما يتعلق الأمر بالطماطم. أي علامة تجارية إيطالية ستفعل ذلك. لأن الإيطاليين يعرفون الطماطم. بالتأكيد، كان أبي يعرف طماطمه. كان سعيداً بنصيبه كما لم يكن أبداً. لكنه كان شحاذاً بائساً بقية حياته. جالساً هناك. على وسادته الخاصة. بسبب البواسير.
ضع الطماطم، والآن ببطء، ببطء، ببطء... يبقبق- يبقبق- يبقبق... هذا ما تنتظره. عليك أن تسمع صوت طهوك كي يكون ناجحاً. مقدارٌ من النبيذ. لقد مضى وقت طويل منذ أن فتحت زجاجة التشيناتي (3)، تركتها تستريح، لا عليك، بالنظر إلى أن ثمنها كان أربعة جنيهات، الراحة لن تحول ما هو رخيص الثمن إلى شيء جيد. لكن رغم ذلك، إذا كنت ستشرب مشروباً رخيصاً، فاشرب مشروباً إيطالياً. هذا ما أقوله دوماً. سأرشف رشفة صغيرة، ضيافة للطاهي. لأنه منقذ الحياة.
الآن، وفقاً لما حدث، ترمقني بنظرة غزل صغيرة، وأنا أرتدي قميصي القصير الأكمام، أصفّر أغنية لفريق فان بوي ثري، شعرت بجرعة من... الشجاعة. لا يمكنك إلا أن تدعوها كذلك. شباب لعين! كنت أشعر بتلك الرِّقة الشديدة واللعينة ومع ذلك ذهبت وتحدثت إليها. أنا لا أقول بأنها كانت لوحة زيتية. لكن لها وجه باعث على الرضى، قطعاً، بلطف غريب. قلت، إذن ماذا تفعلين يوم الجمعة؟ كنت ناعماً إلى هذه الدرجة كما لو أني كنت ممسوساً. حتى أني لم أتورّد أو أتلعثم. كما لو أن تشارلي الشاب المتحدث الخبير زحف داخل صدري النحيل، وجلدي الجاف. وتقول، حسناً، لا شيء كثير.
بقبق- بقبق- بقبق... اسمع؟ جميل. والآن تنشّق قليلاً؟ نعم. أظن بأني وضعت القدر المناسب من الثوم. لا تريد أن يجن جنونك. والآن ملعقة صغيرة من السكر الأبيض للطماطم، لتظهر حلاوتها. تذوق؟ آه جميل. قليلٌ من التشيانتي. حظوة الطاهي. كان عليَّ أن أغادر منذ سنوات. لا أعني كرمبسال. أعرف أن كرمبسال هي سجن مدى الحياة. التمشي في الحديقة العامة، الآحاد، الرأس منخفض، الصحف اللعينة، روث الكلاب. لا، لا أعني كرمبسال – لا مفرّ من كرمبسال. أعني هذه الشقة الصغيرة المقرفة. مع ذلك هي بيت.
أربعة وثلاثون عاماً في شقة صغيرة؟ إنها بيت. لن أكون... لم أكن لأعرف نفسي في مكان آخر. لكن ليس بالضرورة بطريقة موفقة.
قلت، يمكننا الذهاب إلى الديسكو؟ في مانشستر؟ قالت، أنا لست ممن يرتادون الديسكو كثيراً. قلت، ماذا عن فيلم إذن، يمكننا الذهاب إلى السينما، قالت، أنا لا أحب الأفلام. قلت، حسناً، نزهة؟ نزهة، قالت، هممم. ثم خطر لي خاطر مجنون. قلت، حسناً، إن أحببت، يمكنك أن تتصلي بي، سوف أدعوك لشرب الشاي؟ حسناً، قالت، وكادت قدماي أن تصابا بالشلل.
أمامي ثلاثة أيام للتحضير للموعد. ليست العُصابي هي الكلمة المناسبة. قابلاً للتقسيم كانت هي الكلمة اللعينة. أقصد... أردت أن يكون لي حديث مع هذا الشاي. لأن الطعام؟ يقول الكثير عن الرجل. لم أكن لأقدم لها بيضة وكسرة خبز، هل كنت سأفعل؟ سيكون هذا تصرفاً فظاً. بالتأكيد، فظاً لربما لم تكن فكرة سيئة، للختام. لفترة كنت أفكر بتجربة الغولاش الهنغاري، لكن كان للإحساس قدر أفضل من البسالة. شكراً للنجوم. نمت بشق الأنفس! في اليوم التالي كنت أفكر بالكاري لكن بعدها فكرت بأن لا. إنه صيف قائظ، والأمسيات لا تزال حارة. كاري، وسنتعرق كالثيران. فكرت بما سألبس، بتفصيل تام، وقررت ارتداء قميص أبيض، بنطال جينز أبيض. ربما ستضحك، لكنها كانت موضة حينها، ألم تكن؟ قصصت شعري وفتَّحت لون بعض الخصل. كنت المقابل الكرمبسالي لجورج مايكل اللعين. اشتريت زهوراً. كنت مصاباً بنوبة ذعر تراوح بين الدرجتين المتوسطة والعالية، قطعاً سبع درجات أو أعلى، لكن حينها فكرت بالنظرة على وجهها عندما سأكون على وشك أن أرمقها. وارتحت قليلاً.
لقد اهتمت بنفسها، بعد مدة من الزمن، فعلت صلصة البولونيز. إنها الدقائق البطيئة التي تمنح النكهة، إنه طول الأناة الذي يمنح النكهة. انتظر، قليلٌ من الكريمة لن يضر. أوه. الآن هذا رائع. هل تتذوق؟ أوه. رشفة من التشيانتي؟ ليس لديك مانع لو فعلت، أيها القبطان!
إذن. حلَّ يوم الجمعة. جعلت من بيتي قصراً، الزهور في مزهرية. وقد خطرت لي ليل البارحة في ومضة كالرؤيا – السباغيتي بولونيز! كانت المعادل الصحيح للمناسبة: ليست بهرجة مبالغ بها، لكنها مستساغة جداً، وقد لا توحي للفتاة بأن هناك شيئا عني من... حسناً، عنفوان إيطالي؟
فكرت بأني سأكون أحمق كالجحيم أولاً، لكن لا. على الأقل، ليس من ناحيتها. جاءت مباشرة إلى الشقة وهي تثرثر وتقهقه. تجاهلت الكراسي القابلة للطي التي رتّبتُها حول الطاولة، ورمت بنفسها على سريري، الذي كان سريراً مفرداً، وهي ليست فتاة ضئيلة الحجم. خلعت حذاءها راكلة إياه، وطوت ساقيها تحتها. إنها ترتدي تنورة راه راه (4) مثل كيرين – هل هو كارين؟ من فرقة باناناراما. وقبلت كأساً بسرور، من التشيانتي، شربت واحدة، وتقول، إذن ما الخطة؟
كنت أفكر بالسباغ بول، أقول، وأنا أحرك القدر، محاولاً أن أسترخي. قلبي ينبض مثل كلب صيد سافل. قلبي على وشك أن يقفز من مكانه.
جميل، تقول، النكهة المتوسطية.
بالضبط، أقول.
لقد قصصت شعرك، أيها المدلل، تقول.
حسناً، أقول، روتوش صغير، حقيقة، هذا كل شيء.
يناسبك، تقول، الآن تعال هنا...
من الصعب بالنسبة إلي أن أتحدث بالتفصيل الدقيق عما حدث تلك الليلة، أو ما لم يحدث. لقد كبتُّ الكثير منه – السيد مولزورث، ليس لدي شك، سيكون لديه مصطلح تقني عن الكبت. لم تكن فتاة ضئيلة الحجم ولم تكن خجولة. على العكس كانت ناضجة كتوت العليق. أتذكر محاولاتي من أجل أن أتنفس، هنا وهناك، تحت ثقل قبلاتها الحارة، أتذكر محاولتي للنهوض لأخفف نار الفرن. أقصد، السباغيتي كانت تخرج عن السيطرة... وكانت تغلي. قلت، شايُنا سيتلف! إخرس، قالت، وقبلتني أكثر. في الواقع كانت جميلة، كما هي. لا يمكنني أن أرفضها وهي بذلك الشباب. كانت متعة، ولم أكن أملك الشجاعة الكافية.
هذا... الكبت خطير؟ إنه حقيقة شيء ما لا بد أن أُعلم السيد مولزورث به. لدينا جلستان أسبوعياً، وبصراحة لم يعد لدينا ما نتحدث عنه. يخبرني أن الصدفية هي كل ما بذهني. لا، أقول، هي كل ما في الشراشف. استولت على ذلك السرير، الصدفية، ثمة صباحات ينبغي لي فيها أن أكنس السرير اللعين، لقد نثرت الكثير.
تساقط الجلد. سرير مفرد. ثلاثون عاماً مضت على علاقتي الأخيرة؟ لم أستطع التعامل مع اللحظة الراهنة. لم أستطع أن أكون السيد ناعم. جماع ناقص؟ جماع لم نبدأ به أبداً.
كانت لطيفة جداً بهذا الشأن. وبقيت لتناول السباغيتي على الأقل. شغلنا الراديو. انبعثت أغاني فرقة فان بوي ثري، ورقصنا قليلاً أيضاً. شقة صغيرة، فتاة ضخمة، كيف لم نستطع أن نقيم بيننا علاقة، وقبلتني ثانية لكن كانت قبلة محتشمة، حينها. كنت لأصبح مثل عم عزيز للفتاة. كنت قد ولدت عماً عزيزاً.
لكن مع ذلك، كما تعلم، في هذا الوقت من السنة، يوم من أيام تموز الحارة؟ أجدني أفكر بأغرب الأفكار، أجدني أفكر بالسباغيتي بول. اشتريت لحم الخنزير المفروم، لحم العجل المفروم، الثوم والبصل، الطماطم المعلبة، القشدة للتثخين، الأعشاب لمنح عذوبة للنكهة، تماماً في النهاية، ملء اليد من الحبق، مقطعاً غير مفروم، فقط من أجل الشذا... هل تشمّ؟ جميل.
لا أتذكر اسمها. هل كان ماجي؟ لم يكن ماجي. هل كان سو؟ لم تكن سو. ساندرا؟ انتهى الصيف وأنت تظن أنه سيمتد أبداً وحتى يوم الثلاثاء. أترك النافذة مفتوحة على الشارع، الأولاد يلعبون، أصواتهم تطوف بمحاذاتها. الشقاوة. أصواتهم اصطدمت بشيء ما، حافة. سأحتسي رشفة من نبيذ التشيناتي وأتنفس الصعداء. سأغرف من وعاء مليء. النافذة مفتوحة والراديو يشتغل. عشاءٌ لشخص واحد.

* كيفن بيري مواليد عام 1969، كاتب إيرلندي، أصدر مجموعتين قصصيتين، ورواية بعنوان «مدينة بوهين»، فازت بـ «جائزة الأدب الإيرلندي العالمية» عام 2013.

1 طبق إيطالي مكون من السباغيتي مع صلصة مكونة من لحم البقر والبصل والطماطم والأعشاب.
2 فرقة غنائية انكليزية لموسيقى البوب كانت ناجحة في الثمانينات ولو أنها لم تعمر طويلاً.
3 نبيذ إيطالي.
4 تنورة قصيرة ذات طبقات اشتهرت بين المراهقات في الثمانينات.