اتفاق ترسيم الحدود البحرية ينطوي على ثلاثة أبعاد أساسية هي: البعد القانوني، البعد السياسي السيادي، والبعد الاقتصادي. سنركّز على البُعد الأخير مع نظرة عامة على الأبعاد الأخرى.في البعد القانوني يمكن القول أن هذا الاتفاق يرقى إلى مرتبة معاهدة بين لبنان وإسرائيل بمقتضى ما تضمنه من أحكام خاصة بترسيم الحدود بين الدولتين وأخرى خاصة بالاقتصاد والمال وأهمها ما يتعلق بوجود الوسيط وإيداع الترسيم لدى الأمم المتحدة، وتقديم كل طرف رسالة تحتوي على قائمة بالإحداثيات الجغرافية ذات الصلة بترسيم الحدود البحرية إلى أمين عام الأمم المتحدة، وعدم الإجازة لأي من الطرفين أن يقدما مستقبلاً إلى الأمم المتحدة أي مذكرة تتضمن خرائط أو إحداثيات تتعارض مع الاتفاق ما لم يتفق الطرفان على مضمون مثل هذه المذكرة، الاتفاق على بدء أعمال التنقيب في المكمن المحتمل فور دخول الاتفاق حيز التنفيذ وتعيين شروط التنقيب، تحديد نطاق الحقوق الاقتصادية العائدة لإسرائيل عبر مفاوضات بين إسرائيل ومشغل البلوك رقم 9 اللبناني، حصول إسرائيل على تعويض من مشغل البلوك رقم 9 لقاء الحقوق العائدة لها من أي مخزونات محتملة في المكمن المحتمل، عقد اتفاقية مالية بين إسرائيل ومشغل البلوك رقم 9 اللبناني قبل اتخاذ مشغل البلوك رقم 9 اللبناني قراراً بالاستثمار النهائي، والتزام إسرائيل بعدم القيام بممارسة أي حقوق لجهة تطوير المخزونات الهيدروكربونية الواقعة في المكمن المحتمل وذلك رهناً بالاتفاق بينها وبين مشغل البلوك رقم 9 اللبناني...
بهذا المعنى فإن الاتفاق هو معاهدة تعاقدية تقتضي تطبيق أحكام المادة 52 من الدستور التي تشير إلى أن المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب. في البُعد السياسي السيادي، فإن الشروط المتفق عليها، برأينا تمسّ السيادة الوطنية، إذ وافق لبنان على الخضوع لرقابة ووصاية سلطة الولايات المتحدة الأميركية، وعلى المشاركة مع إسرائيل في استثمار الموارد الطبيعية ولا سيما الغاز والنفط في جزء من المياه البحرية اللبنانية والمنطقة الاقتصادية. وبموجب الشروط، لن يكون قرار لبنان حراً ومستقلاً في الحصول على حقوقه الاقتصادية واستثمارها وخاصة فيما يتعلق بالغاز والنفط وحتى أيضاً باقي الموارد الطبيعية المحتمل وجودها في البلوك رقم 9 اللبناني.
في البعد الاقتصادي تعود ملكية الموارد البترولية والحق في إدارتها حصراً للدولة. والموارد البترولية هي النفط والغاز الطبيعي أو كلاهما وجميع أنواع الغاز أو غيرها من المواد الهيدروكاربونية الموجودة في حالتها الطبيعية في باطن قاع البحر، وكذلك غيرها من المواد الهيدروكاربونية في حالة سائلة أو غازية. لكن الاتفاق لا يتيح للبنان الحصول على المنافع الاقتصادية لأن تنفيذ الأنشطة المرتبطة بهذه المنافع يستلزم فترة من الزمن لا تقلّ عن خمس سنوات وقد تمتدّ إلى سبع سنوات أو أكثر ارتباطاً بحالة اللااستقرار السياسي الذي يعيش به لبنان. في المقابل، إن ما يسمى دولة إسرائيل تستطيع منذ التوقيع على الاتفاق استخراج النفط والغاز وتسويقه والحصول على عائداته.
تتألف عائدات البترول من الرسوم والضرائب. فعلى سبيل المثال هناك رسم رخصة الاستطلاع، رسوم الترخيص، الرسوم المتعلقة بمنطقة الاستكشافات، رسوم المعاينة والإشراف والتدقيق. أما بالنسبة إلى الضرائب، فهناك الأتاوى، أي عائدات الدولة المستحقة لها بصفتها مالكة الموارد البترولية كنسبة مئوية من البترول المستخرج. ويعود للدولة الخيار بين استيفاء الأتاوى العائدة لها من البترول المستخرج نقداً أو عيناً، أو وفقاً للنسب بين كميات النفط والغاز المستخرجة. كذلك هناك ما يسمى بترول الكلفة، أي حصّة كل صاحب حق بترولي من البترول المستخرج لتغطية النفقات التي تكبدها، وبترول الربح، أي الحصّة المتوفرة لكل صاحب حق بترولي وللدولة.
إن العائدات البترولية المذكورة أعلاه يتوقف تدفقها كمنافع اقتصادية على تنفيذ الأنشطة البترولية وهي التخطيط والإعداد والتركيب وتنفيذ الأنشطة المرتبطة بالمكامن الموجودة في باطن البحر مثل الاستطلاع والاستكشاف والإنتاج والاستثمار ومد خطوط الأنابيب وتطوير المرافق والإنتاج من المكمن والنقل بالإضافة إلى الاستعمال. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه وحتى استخراج النفط والغاز في لبنان بعد خمس أو سبع سنوات فإن عائداته البترولية الحقيقية تتوقف على العوامل التالية:
- الكمية الباقية في البلوك رقم 9 إذ يخشى أن تشفط إسرائيل معظمه.
- أسعار الغاز والنفط عالمياً التي ستكون سائدة عندئذ (مرتفعة أو منخفضة).
- الطلب والعرض العالمي على الغاز والنفط ربطاً بتطوّر أو انكماش الاقتصاد العالمي، وتطورات الحرب بين روسيا والصين والولايات المتحدة وحلف الناتو.
- القيمة الشرائية للنقود سواء الدولار الأميركي أو الليرة اللبنانية أو اليورو وغيرها من العملات العالمية.
يتبين مما تقدم، بأن دولة الكيان الصهيوني وبموجب هذا الاتفاق الثلاثي الأطراف وبأبعاده السياسية والاقتصادية والقانونية حصلت على مكاسب فورية، أي معجلة، فيما ستكون منافع لبنان مؤجّلة إلى زمن لا يمكن التحكم بتقلّباته الاقتصادية والسياسية. لذا نرى بأن حصول لبنان على أمل بانفراج اقتصادي مفتاحه الغاز والنفط، ما زال معلقاً بيد جهات خارجية إلى غد غير معلوم. وعليه كيف سيتدبر لبنان حلاً لأزمته الاقتصادية من الآن وحتى حدوث الاستخراج النفطي وتسويقه.

* مدير مركز البحوث الاقتصادية، عضو المنتدى الاقتصادي الاجتماعي