يعود لبنان ودول أخرى إلى الإقفال مجدّداً، لأنّ وعد حدوث انفراج في الأزمة العالمية التي أطلقها وباء كورونا قبل خمسة شهور لم يتحقق. إذ كان متوقّعاً أن تتراجع جائحة كوفيد – 19 مع قدوم الصيف، أي في منتصف شهر حزيران 2020، لعدّة عوامل منها:- ضعف حدّة الفيروس بسبب الطقس الحار.
- نجاح الحكومات في ضبط الانتشار بفضل الإجراءات التي اعتمدتها.
- إمكانية التوصّل إلى علاج أو لقاح أو وقاية جديّة، تحدّ من تأثير كوفيد19.

مايكل كونتوريس - اليونان

على الأقل كانت هذه العوامل مصدر التفاؤل الذي دفع الحكومات إلى بدء فتح مطاراتها وحدودها واستقبال السيّاح والزائرين مجدّداً. إلا أنّ أيّاً من هذه الشروط الثلاثة لم يتوفّر، لا في شهر حزيران ولا في شهر تموز 2020. بل واصل مؤشّر الإصابات بالوباء في منحى تصاعدي حول العالم حتى وصل إلى 16 مليون إصابة و700 ألف حالة وفاة تقريباً في أواخر شهر تموز، مقارنة بأقل من 120 ألف إصابة في أواسط آذار 2020. وزاد الطين بلّة يوم الاثنين 27 تموز حين أعلنت منظمة الصحة العالمية أنّ «جائحة فيروس كورونا هي أخطر حالة طارئة أعلنتها على مستوى العالم منذ تأسيسها»، مشيرة إلى أنّ انتشار المرض تسارع في الصيف مع تقارير «الجائحة تواصل التسارع» وتضاعفت الإصابات مرّتين من 8 ملايين إلى 16 مليوناً خلال 6 أسابيع فقط.
وبسبب انعدام العوامل الثلاثة المذكورة، فقد سجّلت المنظمات المالية والاقتصادية الدولية توقعات سوداوية تنبئ بتدهور حال الاقتصاد الدولي وتعثّر التجارة وارتفاع عدد الفقراء من 500 مليون إنسان – كما كان متوقعاً في نيسان الماضي - إلى مليار بحلول 2021. كما لم ينجُ أي قطاع صناعي في العالم من جائحة كوفيد-19 فيما تراجعت الاقتصادات الرئيسية في العالم بنسبة تترواح بين 15% و20% في النصف الأول من 2020. أمّا قطاع السفر والسياحة فقد كان الأكثر تأثّراً لأنّ الدول أقفلت على نفسها وحظرت التنقّل والطيران. وتأكيداً للمنحى الانحداري، في 8 تموز 2020، أعلن صندوق النقد الدولي ارتفاع مستويات الدين في الاقتصادات الناشئة والمتقدّمة على حدّ سواء، بسبب الإنفاق الموجّه لتنشيط الاقتصاد في ظل أزمة فيروس كورونا. ويتوقع أن يتجاوز الدين العام العالمي مستوى الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الإجراءات التي اعتمدتها الحكومات في مواجهة الأزمة الصحية. ففي مطلع عام 2008، قبل الأزمة المالية العالمية، بلغت الديون السيادية في العالم 34 تريليون دولار (تريليون دولار يساوي ألف مليار أو ألف بليون دولار)، ثم أخذت ترتفع كل عام حتى وصلت إلى 70 تريليون دولار عام 2019، أي إلى الضعف خلال عشر سنوات، بينما كان الناتج المحلي العالمي نحو 87.8 تريليون دولار وفق بيانات البنك الدولي لعام 2019 أيضاً.
لقد توقّعت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أن يتراجع الناتج المحلي العالمي بسبب جائحة كورونا إلى 80 تريليون دولار، فيما سيرتفع إجمالي الديون إلى 76 تريليون دولار، أي ما يوازي %95 من الناتج العالمي. وعلى هذا الأساس، ولتلافي انهيار العملات والاقتصاديات في عدد كبير من الدول ومنها لبنان، فثمّة دول كثيرة تحتاج إلى إعادة هيكلة للديون في أعقاب جائحة فيروس كورونا العالمية وتداعياتها الاقتصادية، وستكون هناك حاجة ملحّة إلى تخفيف أعباء ديون الدول الأكثر فقراً في هذا العالم.
يقول «معهد التمويل الدولي» إن الدين العالمي المجمّع (أي السيادي والشركات والأفراد) قد زاد 10 تريليونات دولار خلال عام 2019 ليصل إلى ما يزيد على 255 تريليون دولار في كانون الأول الماضي منها 70 تريليون دولار على الحكومات، 74.2 تريليون دولار على الشركات والمؤسسات غير المالية، 63.1 تريليون دولار على القطاع المالي، و48 تريليون دولار على الأسر والأفراد.


ويتوقّع المعهد أن يرتفع حجم الدين العالمي المجمّع إلى 306 تريليونات في عام 2020، مدفوعاً بالانكماش الاقتصادي الذي سبّبته تداعيات كورونا، وبحاجة الدول إلى مزيد من الاقتراض لتحفيز اقتصاداتها. وفي الوقت نفسه، أوقفت الجائحة عمالة 375 مليون شخص حول العالم منهم 60 مليوناً في الولايات المتحدة الأميركية. كما أنّ تعطّل التجارة الدولية ووسائل النقل من طيران وبواخر وقطارات سيؤذي الاقتصاد العالمي بنسبة 18% وليس كما كان متوقعاً %12.
ورغم أنّ حكمة معظم الدول دعت إلى إنقاذ الاقتصادات على حساب الصحة العامة، وهذا هو السبب الحقيقي لرفع الحظر، فإنّ عودة الإقفالات وارتفاع عدد الإصابات يعني أنّ الأضرار الاقتصادية للجائحة متّجهة للتفاقم في الأشهر المقبلة وربّما ستستمر طوال عام 2021. ذلك أنّ انتهاء الوباء أو تلاشي مفعوله، حتى لو تمّ في خريف العام الحالي أو في شتاء 2021، فإنّ قلق البشرية وإجراءات الحكومات سيمنعان أي تحسّن فوري. لذا ستحتاج قطاعات الصناعة والسياحة والسفر والتجارة إلى أربعة أشهر إضافية للتعافي داخل البلدان أو بين بلدان متجاورة.
ويترواح التعافي بين قطاع وآخر حيث يوجد قطاعات قد تحتاج إلى فترات أطول لتخرج من محنتها. إذ يحتاج قطاع السفر والسياحة بين دول بمسافات بعيدة، إلى ستّة أشهر على الأرجح (بين أوروبا وأوستراليا واليابان مثلاً) ليعود إلى نشاطه السابق. ومقياس تعافي القطاعات يكون العودة إلى مستويات شهر تشرين الأول 2019، ذلك أنّ العودة إلى النشاط ستكون تدريجية. والمصيبة أنّه غابت عن المؤشرات الدولية الجديدة في حزيران الماضي توقعات الانفراج، فلم يعد ثمة حديث عن انفراج في تشرين الأول 2020. ما يعني العودة إلى موسم البرد مجدّداً في تشرين الثاني نوفمبر واحتمال موجة ثانية من الفيروس.