ارتفعت الثروات الشخصية (الكبيرة والصغيرة، المالية وغير المالية) في لبنان بنحو 65% في خلال عام واحد، من 140 مليار دولار في عام 2018 إلى 232 مليار دولار في عام 2019، وفق بيانات تقرير «credit Suisse» لعام 2019 الصادر أخيراً، ووصل المعدّل الوسطي لحصّة الفرد البالغ من الثروة على المستوى العام إلى 55 ألف دولار بعد أن كان 33 ألف دولار في العام الماضي. قد تبدو هذه الأرقام صادمة، أو ربّما منفصلةً عن الواقع ومشكوكاً في صحّتها، خصوصاً إذا ما وُضعت في مواجهة مع صورة الانتفاضة الشعبية التي تدخل يومها الثاني عشر، والمدفوعة بأزمة مالية مُستفحلة تُلقي بأعبائها على اللبنانيين اجتماعياً واقتصادياً. إلّا أن الدخول في تفاصيل الأرقام، يُظهر الحقيقة المرّة، لا بل المأساة اللبنانية ووحشية واقعنا، إذ تفسّر الأرقام الواقع، وتبين أن ارتفاع متوسط الثروة يعود إلى قلّة صغيرة جداً فيما الغالبية تعيش في فقر أو بالكاد تؤمّن حاجاتها.
انخفاض الثروة المالية وارتفاع الثروة غير المالية


وفق تعريف «credit Suisse»، تتألّف الثروة الصافية لكلّ فرد بالغ من مجمل الأصول المالية التي يملكها (أسهم وسندات وأموال نقدية ومدّخرات)، مضافاً إليها الأصول غير المالية التي يحوز عليها (الممتلكات ولا سيّما العقارية)، على أن تحسم منها قيمة الديون المترتبة على كلّ بالغ.
في لبنان تراجع المعدّل الوسطي للثروة المالية لكلّ فرد بالغ بنحو 37% خلال عام واحد، من 20.6 ألف دولار في عام 2018 إلى 12.9 ألف دولار في العام الحالي، وهي نسبة متقاربة مع تطوّر حصّة الفرد البالغ من الديون، التي تراجعت بنحو 34%، أي من 10 آلاف دولار إلى 7.5 آلاف دولار. طبعاً لا يمكن اعتبار المعدّل الوسطي دقيقاً من الناحية الإحصائية، إلّا أنه مؤشّر واضح إلى المسار القائم، وما يحصل على صعيد التراجع في حصّة الفرد من قيمة الثروة المالية وكذلك الديون ليس إلّا عملية نقل للثروة من المدينين الذين يسدّدون ديونهم إلى الدائنين الذين أقرضوهم هذه الديون. أمّا ما رفع قيمة الثروة اللبنانية (المالية وغير المالية)، وبالتالي حصّة الفرد منها، فهو ارتفاع قيمة الأصول غير المالية، أي الحيازات العقارية التي تتركّز لدى أصحاب رأس المال، بنحو 115% من 23 ألف دولار لكلّ فرد إلى 49.7 ألف دولار.
إلى ذلك، تظهر بيانات تطوّر الثروة أنه في خلال عقد ارتفعت حصّة الفرد من مجمل الثروة بنحو 53% من 36 ألف دولار في عام 2010 إلى 55 ألف دولار حالياً، إلّا أن حصّته من الثروة المالية تراجعت بنحو 24% من 17 ألفاً إلى 12.9 ألف دولار، فيما ارتفعت حصّته من الديون بنسبة 30% من 5.8 آلاف دولار إلى 7.5 آلاف دولار، أمّا الثروة غير المالية فقد ارتفعت بنسبة 100%، من 24.6 ألفاً إلى 49.7 ألف دولار.

الثروة تتركّز أكثر وأكثر


أمّا أكثر ما يعبّر عن تركّز الثروة في يد قلّة قليلة، فهو نسبة الأفراد البالغين وفقاً لكلّ شريحة من شرائح الثروة. تبيّن إحصاءات «credit Suisse» أن 0.005% فقط من البالغين في لبنان، أي 194 بالغاً لديهم ثروة تفوق 50 مليون دولار، فيما 45.2% من البالغين أي نحو مليون و900 ألف شخص يملكون ثروات تقلّ عن 10 آلاف دولار. ما يعني أن كلّ فرد في الشريحة الأولى (يملكون أكثر من 50 مليون دولار) يمتلك ما يوازي ثروة 9 آلاف و800 شخص في الشريحة الثانية (يملكون ثروة تقل عن 10 آلاف دولار). وبالمقارنة مع العام الماضي، يتبيّن أن عدد الذين يملكون ثروة تزيد عن 50 مليون دولار انخفض من 211 شخصاً إلى 194 شخصاً، وكذلك انخفض عدد من يملكون ثروات تزيد عن مليون دولار من 21.732 فرداً إلى 21 ألف فرد.

لبنان ثامناً في انعدام المساواة


أيضاً، تظهر البيانات المُرفقة بتقرير «credit Suisse» أن لبنان لا يزال في مراتب متقدّمة لناحية انعدام المساواة في توزّع الثروة، فهو يأتي ثامناً في الشريحة العليا من البلدان المتوسّطة الدخل، قبل جنوب أفريقيا وبيليز، وبعد دومينيكان وغرينادا وسورينام وتايلاندا وأوكرانيا والبرازيل وروسيا. فوفقاً للتقرير يبلغ مؤشّر «جيني» الذي يقيس التفاوت في توزيع الثروة نحو 81.9%.