في فترة ما قبل الحرب الأهلية، كان الجهاز البشري للبلديات يتألّف من عمّال نظافة، وكانت نقابة عمّال النظافة في بلدية بيروت من أقدم النقابات في لبنان. لكن جيل بعد الحرب لم يختبر أي شكل لإدارة النفايات إلّا بالشراكة مع القطاع الخاص. أشهر العقود في هذا المجال تلك التي أبرِمتها الدولة مع «سوكلين» وشقيقاتها، والتي انتهت إلى واحدة من أكبر الأزمات التي واجهها المجتمع اللبناني ولا يزال، والتي تهدّد بانفجار «القنبلة البيئية». ففي عام 2015 تُركت النفايات تتراكم في الشوارع والمكبّات العشوائية، وتسبّب ذلك في ضرر أكيد على صحّة المقيمين في لبنان، واندلع أوّل احتجاج جماهيري ضد عقد شراكة مع القطاع الخاص في لبنان، كانت معاقبة «سوكلين» في مقدّمة مطالبه.


سوكلين وشقيقاتها
عام 1994، وقّع مجلس الإنماء والأعمار عقداً رضائياً مع شركة «سوكلين»، لجمع نفايات بيروت وكنس شوارعها بقيمة 3.6 ملايين دولار. لم تكن تملك الشركة سوى 10 شاحنات و1500 مستوعب، فوضعت بلدية بيروت بتصرّفها مئات المستوعبات والشاحنات مع عمّالها ومن دون أيّ مقابل. وفي السنوات التالية، سُلّمت الشركة جمع نفايات بلديات جبل لبنان تباعاً، والتي وصل عددها إلى 326 بلدية، وخصَّصت بلدية بيروت أرضاً في الكرنتينا لنقل النفايات إليها. حصل كل ذلك من دون الأخذ برأي البلديات، في تعدٍّ على صلاحيّاتها، وقد اعتبر ديوان المحاسبة في قراره الرقم 1/99 أن هذه العقود «باطلة بطلاناً كاملاً». عام 1997، وسّعت الدولة نطاق الشراكة مع مجموعة Averda (الشركة الأمّ لـ«سوكلين»)، ووقّعت مع شركة «سوكومي» العقد الرقم 2378 لمعالجة النفايات الصلبة، والعقد الرقم 2315 لتجهيز وتشغيل المطمر الصحّي في الناعمة، ومن ثمّ أبرمت الدولة تباعاً عقوداً مع المجموعة لتشرف بنفسها على أعمالها في معالجة النفايات والطمر! وعلى الرغم من الكلفة العالية والأرباح الطائلة التي جنتها المجموعة من البدلات التي تسدّدها الدولة لإعادة التدوير والتسبيخ، إلّا أن الشركة كانت تطمر معظم النفايات في مطمر الناعمة، بما في ذلك النفايات المفروزة والمُعالجة، وتتقاضى بالتالي بدلات الطمر بعدما تقاضت بدلات الفرز والتسبيخ. في النهاية، تفاقمت الأمور وأدّت إلى استبدال العقود مع هذه المجموعة بعقود مع شركات أخرى.

معمل نفايات صيدا
عام 2002، أبرمت بلدية صيدا عقد BOT مع شركة IBC، لبناء معمل معالجة النفايات الصلبة في صيدا على أرض بمساحة 38 ألف متر مربّع منحتها البلدية للشركة، ونصّ العقد على قيام الشركة بفرز ومعالجة 200 طن من النفايات يومياً مجّاناً لمدّة 20 سنة، على أن يتمّ تحقيق أرباح المعمل وتشغيله من بيع السماد العضوي الذي ينتجه والمواد الصالحة للتدوير، فضلاً عن ردم 38 ألف متر مربّع من الأملاك العمومية البحرية وتملّكها. عام 2009، وقبل ثلاث سنوات من بدء تشغيل المعمل، تمّ تعديل شروط العقد بحجّة أن بيع السماد والمواد المُعاد تدويرها لن يحقّق ربحية للشركة، وتمّ الاتفاق على أن تكون كلفة معالجة كل طنّ بقيمة 85 دولاراً خلال السنتين الأولى والثانية من العمل، و95 دولاراً في السنتين والثالثة والرابعة، وأن يعاد النظر في الكلفة لاحقاً. يقول مدير المعمل سامي البيضاوي في مقابلة مع GreenArea، وبوضوح تامّ، إن كلفة المعالجة الفعلية «تتراوح بين 60 و65 دولاراً للطن الواحد، وهناك مردود كبير من المواد القابلة للتدوير. أمّا حجم الأرباح فلا أعرفها، ولكن هناك مستثمرون يفكّرون في استعادة أموالهم مع أرباحها خلال 6 سنوات وآخرون خلال 9 سنوات».

برج حمود والكوستابرافا
عام 2016، وقبل إقرار أي خطّة مُستدامة لإدارة النفايات، أعادت الحكومة توزيع العقود الموروثة عن «سوكلين» على لاعبين جُدد، إذ حصلت «الجهاد للتجارة والمقاولات» على عقد إنشاء مطمر الكوستابرافا بقيمة 72 مليون دولار عبر ردم 160 ألف متر من البحر، وأبرم معها ومع «سوريكو» عقد المعالجة والفرز بقيمة 81 مليون دولار، كذلك وقّعت الحكومة مع شركة «داني خوري للمقاولات» على عقد إنشاء مطمر برج حمود بقيمة 109 ملايين دولار وردم 576.5 ألف متر مربّع، وأبرمت مع ائتلاف «رامكو» و«ألتاس يابي سان» عقد جمع وكنس ونقل نفايات كسروان والمتن بقيمة 86 مليون دولار لمدّة 7 سنوات (27.9$/طن)، ومع ائتلاف «معوّض – إدة» و«سوريكو» عقد جمع وكنس بعبدا والشوف وعاليه بقيمة 128 مليون دولار لمدّة 7 سنوات (26.95$/طن). وتطرح الحكومة اليوم الإبقاء على سياسة عقود الشراكة في إدارة النفايات، وتوسيعها لتشمل إقامة «محارق»، ما جعل الكثير من الخبراء يحذّرون من أن التجربة حتى الآن لا تدلّ على أن القطاع الخاص يمتلك الكفاءة لإدارة مشكلات النفايات، وبالتالي فإن تركه يدير ويشغّل محارق للنفايات قد ينطوي على مخاطرة كبيرة جدّاً يمكن أن يسفر عنها كوارث بيئية وصحّية.

طرابلس الفيحاء
وقّع اتحاد بلديات الفيحاء (يضمّ بلديات الميناء والقلمون وطرابلس والبداوي) عام 2001 عقد شراكة لمدّة خمس سنوات، مع شركة «باتكو ـــ لافاجيت»، للمّ نفايات الاتحاد وجمعها ونقلها إلى مكبّ طرابلس على البحر الذي لزّمت أعماله إليها أيضاً. كان من المفترض أن يخدم المكبّ لمدّة خمس سنوات فقط، على أن تقوم الشركة خلال هذه الفترة بتحويله إلى حديقة عامّة. لكن ما حصل هو العكس؛ فبعد أكثر من عقدين من التمديدات المُتتالية للشركة، تحوّل المكبّ إلى مصدر خطر كبير على السلامة العامّة والبيئة والمقيمين في طرابلس وجوارها، نتيجة الروائح المنبعثة منه، وزيادة ارتفاعه واحتمال تشقّقه وانهياره في البحر في أي لحظة، خصوصاً أن الشركة كانت تنقل إليه أكثر من 85% من النفايات التي تلمّها من بلديات الاتحاد. وعلى الرغم من ذلك، أصدر اتحاد بلديات الفيحاء عام 2017 القرار الرقم 123 الذي يقضي بالتجديد لشركة «لافاجيت» لمدة 3 سنوات إضافية.