بغداد | أحدثت مخصّصات الموازنة المالية العراقية لعام 2024، جدلاً بين القوى السياسية، فيما تبادل نواب الاتهامات حول توزيع الحصص بشكل يميّز إقليم كردستان عن مناطق الوسط والجنوب. وعدّت بعض القوى ذلك التمييز المفترض، محاولة من رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، لاستمالة الأكراد، ما قد يسبّب تأخير مصادقة البرلمان على الموازنة إلى ما بعد نهاية الفصل التشريعي، الذي مدّدته رئاسة مجلس النواب 30 يوماً. وبلغت الحصة الإجمالية لكردستان نحو 20 تريليون دينار (14.5 مليار دولار بحسب السعر الرسمي للدينار)، من أصل الإنفاق العام المقدّر بـ211 تريليون دينار (152.9 مليار دولار)، بعد أن كانت العام الماضي 16 تريليوناً و497 مليار دينار. وكان السوداني قد كشف عن وجود أموال كبيرة في صناديق المحافظات لم يجرِ إنفاقها، مشيراً إلى أن إجمالي الموازنة الاستثمارية للمحافظات وصندوق تنمية الأقاليم بلغ 10.6 تريليونات دينار، جرى صرف 3.3 تريليونات منها فقط، والمتبقي تحت تصرّف الحكومات المحلية، ومتاح لتمويل المشاريع، بالإضافة إلى 11 تريليوناً من قانون الأمن الغذائي، صُرف منها 38%، والمتبقي في حسابات المحافظات. وصوّت مجلس الوزراء، في 19 أيار الجاري، على جداول موازنة 2024، بعد انتظار استمر خمسة أشهر، وأحالها إلى البرلمان للمصادقة عليها. وتتضمّن الموازنة 62 تريليون دينار لرواتب الموظفين، فيما بلغ إجمالي إنفاق موازنة 2023 نحو 199 تريليون دينار، منها 59 تريليوناً للرواتب. وتقدّر إيرادات موازنة 2024، بـ144 تريليوناً و336 مليار دينار، فيما العجز يقارب 63 تريليوناً و599 مليار دينار، ما دفع باقتصاديين إلى ترجيح لجوء البلاد إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، علماً أنه اعتُمد على متوسط سعر 70 دولاراً لبرميل النفط، وهو سعر لا يُعتبر متحفظاً.
وتعليقاً على الجدل الحاصل، أصدرت وزارة التخطيط، السبت الماضي، توضيحاً حول التفاوت في المخصّصات، مبينةً أن أكثر من 41 تريليون دينار متاحة للمحافظات، معتبرةً ما حصل من مقارنة بين مخصّصات تنمية الأقاليم للمحافظات، وبين مجمل الإنفاق الاستثماري لإقليم كردستان، «غير صحيح». وقالت الوزارة، في بيان تفصيلي، إن المبالغ غير المصروفة من عام 2023، والتي بلغ المتبقي منها 6.947 تريليونات دينار، فضلاً عن المتبقي من الأمن الغذائي والذي بلغ 5.824 تريليونات دينار، ستُضاف إلى حجم المخصّصات الاستثمارية للمحافظات ضمن موازنة 2024، المرفوعة إلى مجلس النواب والبالغة 3.103، مشيرة إلى أن هذه المخصّصات تشمل برنامج تنمية الأقاليم والاستثمار البترولي ومكافحة الفقر والقروض. وأضافت أن ما تم تخصيصه لمشاريع الوزارات الاتحادية التي تنفّذ في المحافظات ما عدا الإقليم، بلغ 38.421 ترليون دينار، وبهذا يصل مجموع المبالغ المتاحة للمحافظات إلى 41.524 ترليون دينار.
نواب محافظات الوسط والجنوب يلوّحون بتأخير إقرار الموازنة إن لم يجرِ إصلاح الخلل


ويؤكد عضو لجنة الاستثمار والتنمية النيابية، حسين السعبري، أن «مخصّصات الموازنة للمحافظات العراقية، ولا سيما الوسط والجنوب، فيها مشكلة كبيرة، بالنظر إلى أن تخفيضها سوف يتسبّب في تلكؤ كثير من المشاريع واندثار أخرى، فضلاً عن عزوف المقاولين، وغيرها من المشكلات التي تحدث تأخيراً في الإعمار والاستثمار». ويضيف السعبري، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «أعضاء مجلس النواب يطمحون إلى أن تكون موازنة المحافظات جيدة لرفع مستوى تقديم الخدمات، ولكن الحكومة خفّضتها، ما سوف يسبّب مشكلات كثيرة، خاصة في ما يتعلق بتقديم الخدمات للمواطنين». ويتابع أن «المصادقة على جداول الموازنة بصيغتها الحالية قد تكون صعبة؛ ولذا اللجنة المالية عاكفة على مراجعتها وتسجيل ملاحظاتها قبل إقرارها نهائياً».
وعقد «الإطار التنسيقي»، أول من أمس، اجتماعاً بحضور السوداني، صدر في عقبه بيان أشار إلى أن المجتمعين تداولوا جداول الموازنة المالية، وشددوا على ضرورة إقرارها لتحقيق مصالح المواطنين ودعم الوضع الاقتصادي. غير أن قيادياً في «الإطار» قال، لـ«الأخبار»، إن «الاجتماع تركّز على اعتراض القوى السياسية على تخفيض حصص بعض المحافظات»، مضيفاً أن «نواباً في الإطار قالوا للسوداني إن الظلم وقع كله على مدن الجنوب، وهناك مجاملة واضحة للإقليم عبر زيادة مخصّصاته». واعتبر أن «السوداني يحاول التناغم مع الأكراد من أجل استمرار منح الثقة لحكومته»، مؤكداً أن «هناك اتفاقاً بين نواب الإطار على عدم تمرير الموازنة بجداولها الحالية». وكان قد أعلن رئيس مجلس محافظة البصرة، خلف البدران، أنه فوجئ بتخفيض موازنة المحافظة، من تريليونين و900 مليار دينار إلى 850 مليار دينار فقط، قد لا تكفي لتسديد ديون الشركات والمقاولين المكلّفين بالمشاريع الخدمية الحالية، مشيراً إلى أن المجلس سيناقش هذا الأمر مع السوداني.
بدورها، تقول عضو اللجنة المالية النيابية، نرمين معروف، لـ«الأخبار»، إن «اللجنة عقدت سلسلة اجتماعات لمناقشة جداول قانون الموازنة العامة ودراستها، وستكون اجتماعات مكثفة يومية إلى حين اكتمال التقرير النهائي والمصادقة على جداول الموازنة». وتلفت معروف إلى أنّ «نسبة إقليم كردستان في موازنة 2024 هي نفسها التي تم إقرارها في موازنة 2023، والتي تبلغ 12.67%»، مشددةً على أن «الموازنة يجب أن تراعي جميع محافظات العراق، وأن لا يكون هناك انحياز إلى مدينة على حساب أخرى. ومع ذلك، سجلنا ملاحظاتنا كلجنة مالية لغرض المصلحة العامة». أما النائب عن «الإطار التنسيقي» وعضو اللجنة المالية، معين الكاظمي، فيرى، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ «الحكومة لم تراعِ المحافظات الوسطى والجنوبية التي غالبيتها تحتاج إلى خدمات وبنى تحتية، بل قامت بتخفيضها وهذا ما استغربته اللجنة المالية».