بغداد | دخلت مسألة انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب العراقي في نفق جديد، بعد أن أخفق المجلس في عقد جولة ثالثة لحسم فوز أحد المرشحيْن، النائب سالم العيساوي عن «حزب السيادة» وبقية الكتل السنية، ومحمود المشهداني المدعوم من «حزب تقدّم»، وذلك إثر مشادّة كلامية ومشاجرة بالأيدي بين نواب من الثاني وكتل أخرى. ويأتي هذا بعد أشهر من فراغ المنصب بإقالة رئيسه السابق، محمد الحلبوسي، وهو زعيم «تقدّم»، بحكم قضائي لإدانته بعملية تزوير. ولم تحقّق الجولة الثانية التي عُقدت، مساء أول من أمس، فوزاً لأحد المتنافسيْن، إذ حصل العيساوي على 158 صوتاً في حين حصل المشهداني على 137 صوتاً من أصل عدد نواب المجلس البالغ 329 نائباً، علماً أن المرشّح يحتاج إلى 166 صوتاً للفوز، شرط اكتمال النصاب، الأمر الذي زاد المشهد تعقيداً خاصة بعد رفع الجلسة إلى إشعار آخر. ولا يختلف سيناريو الجلسة الأخيرة عن تلك التي عُقدت في 3 كانون الثاني الماضي، من ناحية حدوث مشادّات وتشابك بالأيدي، بعد اقتراب أحد المرشحين من الفوز بالرئاسة.واتّهم «حزب تقدّم»، الحكومة بالتدخل في انتخاب رئيس البرلمان، خلافاً للدستور العراقي ومبادئه، على حدّ قول النائب يحيى المحمدي، فيما جمع نواب الحزب تواقيع لرفع الجلسة خشية فوز العيساوي. وتعليقاً على الجلسة، كتب القيادي في «حزب السيادة»، مشعان الجبوري، من جهته، على منصة «إكس»: «حدث ما حذّرنا منه... فعندما بلغ النصاب 190 نائباً، تأكّد "تقدّم" أن الأمر قد قضي، فعمل حاجزاً بين المقاعد ومنصة الرئاسة»، لافتاً إلى أنّ «النائب عن "تقدّم" هيبت الحلبوسي اعتدى على رئيس كتلة العزم مثنى السامرائي، ما دفع النائب أحمد الجبوري إلى ضرب هيبت». واعتبر رئيس «حزب السيادة»، خميس الخنجر، بدوره، أنّ «لجوء البعض إلى افتعال شجار أثناء انعقاد الجلسة والاعتداء على أحد قادة الكتل، نموذج فوضوي لا يليق بالعراق وشعبه».
اقتراب العيساوي من الفوز دفع بعض النواب إلى افتعال فوضى داخل القاعة


وفي هذا السياق، يقول نائب عن «الإطار التنسيقي» تحدّث إلى «الأخبار» شريطة عدم نشر اسمه، إنّ «اقتراب العيساوي من الفوز، هو ما دفع بعض النواب إلى افتعال فوضى داخل القاعة، لغرض تعطيل الجلسة»، مضيفاً أنّ «نواب الإطار التنسيقي ولا سيما الداعمين لمحمود المشهداني، قرّروا بعد انتهاء الجولة الثانية مغادرة مبنى المجلس من أجل فرط النصاب وعدم تمرير العيساوي رئيساً للمجلس». ويتابع أن «بقاء محسن المندلاوي رئيساً بالنيابة هو من مصلحة التنسيقي، ولذا، أتوقّع أن يبقى الوضع على ما هو عليه خلال الفترة المقبلة».
من جانبه، يلفت عضو اللجنة القانونية النيابية، محمد الخفاجي، إلى أنّ المادة 55 من الدستور واضحة بشأن حصول أحد المرشحين لمنصب رئيس مجلس النواب، على الأغلبية المطلقة، وفي حال عدم تحقّق ذلك يصار إلى جلسات ثانية وثالثة ورابعة، مشدّداً على أنه لا يمكن المضي بخلاف ذلك، لأن الدستور واضح. ويوضح، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الحديث عن إمكانية المضي في جولة أخرى والفوز بالرئاسة للمرشح الحاصل على أعلى الأصوات ليس صحيحاً ولا يوجد له سند قانوني»، مؤكداً «عدم الحاجة إلى اللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا، كون جلسة انتخاب الرئيس واضحة ولا توجد أي شائبة في عملية الانتخاب سوى عدم الاتفاق سياسياً».
أما النائب المستقلّ، حسين السعبري، فيرى أنّ «المشهد تعقّد بسبب الفارق الكبير في الأصوات بين المشهداني والعيساوي، ولذا أصرّت الكتل التي تدعم المشهداني على تأجيل الجلسة لغرض ترتيب أوراقها ولملمة نفسها». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «مجلس النواب بعد رفع جلسته سيعود مرة أخرى إلى جولات جديدة لغرض حسم المنافسة بين المرشحين»، مشيراً إلى أنّ «هناك تلويحاً من حزب تقدّم بالانسحاب من العملية السياسية في حال خسر منصب الرئاسة».
ويصف السعبري المرحلة المقبلة «بالعصيبة بعد المشادّات والتصعيد بين النواب داخل القاعة، ورفع الجلسة إلى وقت غير معلوم. وبالتالي ربما الأمور ستؤول إلى اتفاقات جديدة كما حدث تماماً في الجولة الأولى قبل خمسة أشهر».
لكنّ النائب المستقل والمرشح لمنصب رئاسة البرلمان، عامر عبد الجبار، يعتقد أنّ «المنصب لن يُحسم بسهولة، وهناك أسباب لهذا التأخير، وهي ارتياح الإطار التنسيقي لبقاء محسن المندلاوي». ويقول، لـ«الأخبار»، إنّ «العراك يعكس شدّة الخلاف على المنصب. ولهذا، القوى السياسية ستدخل في بحر من الأزمات ما دامت متمسكة بأعراف خاطئة غير ديموقراطية». كما يحذّر مرشح «كتلة الصدارة» لمنصب رئاسة البرلمان، طلال الزوبعي، من «أزمة كبيرة ستحلّ بمجلس النواب إذا لم يحسم اختيار الرئيس، وبالتالي ستنعكس سلباً على أداء السلطة التشريعية وعلى المواطنين جميعاً». ويرجّح، في تصريح إلى «الأخبار»، أنّ «البرلمان سينعقد مرة أخرى لاختيار أحد المرشحيْن نفسيهما».