بغداد | ما إن حطّت طائرة وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الثلاثاء الماضي في بغداد، حتى تعمّد الرجل الإيحاء بعودة أميركية «ظافرة» إلى هذا البلد على جناح الضغط بالدولار، بعد عام ونيّف على الانسحاب الأميركي الثاني من العراق، والذي قُدِّم على أنه انسحاب كامل للقوّات القتالية، مع بقاء قوّة تدريبية استشارية. إذ غرّد الوزير الضيف قائلاً: «أنا هنا لأعيد تأكيد الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق»، وذلك مع اقتراب الذكرى العشرين للغزو الأميركي لهذا البلد في 20 آذار 2003، فيما رجّح مراقبون ومسؤولون في الدولة العراقية أن تكون الزيارة قد جاءت لغرض تأكيد بقاء القوّات الأميركية، والحرص على حماية مصالح الولايات المتحدة في «بلاد الرافدَين»، عن طريق التفاوض مع رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، علماً أن عدد الجنود الأميركيين المتواجدين في البلاد يبلغ حالياً، وفق الأرقام المعلَنة، قرابة 2500 بين مقاتل ومدرّب واستشاري.في المقابل، هاجمت فصائل المقاومة المُناهِضة للسياسة الأميركية، زيارة أوستن لبغداد، وعدّتها غير مرحَّب بها. ووصفت كتلة «صادقون» النيابية، التابعة لحركة «عصائب أهل الحق»، في بيان، استقبال الوزير الأميركي بأنه «خيانة لشهداء العراق ولقائدَي النصر أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني»، فيما أعلنت «كتائب حزب الله» «براءتها» من الأطراف السياسية التي تَعقِد تفاهمات مع الجانب الأميركي، داعياً القوى السياسية وقادتها إلى أن يكونوا «أكثر اتّزاناً» في التعامل مع «العدو الأميركي» سواءً كان بزيّ الديبلوماسية، أو بزيّ الحرب. لكن المتحدّث باسم «حركة حقوق»، التابعة للكتائب، علي فضل الله، يقرّ، في تصريح إلى «الأخبار»، بأن «الحكومة العراقية بقيادة السوداني تعمل وفق مبدأ ثابت في السياسة وهو تحقيق المصالح، فيما المتغيّر دائماً هو العلاقات. فأميركا التي كانت في حسابات الإطار التنسيقي عدواً، ووجودها مزعج للعراق، أصبح أمرها مختلفاً». ومع ذلك، فهو يؤكد أن «الانفتاح على أميركا يخالف رؤية فصائل المقاومة التي ترى أن الولايات المتحدة محتلّة، وكانت سبباً في استشهاد قادة النصر، ولا تستحقّ التعامل معها كحليف بكلّ الأحوال»، لافتاً إلى أن «زيارة وزير الدفاع الأميركي أزعجت الفصائل»، متحدّثاً عن وجود «انفصال بين رؤية الإطار ورؤية الفصائل بشأن التعامل مع أميركا، بعد أن صارت الولايات المتحدة في حسابات حكومة السوداني التي يتبنّاها "التنسيقي" حليفاً استراتيجياً». وفي ما يتعلّق ببقاء القوّات الأميركية، يعتقد فضل الله أن «الانفتاح من قِبَل حكومة السوداني على الجانب الأميركي، ونقاشها الإيجابي مع وزير دفاعه وعقْدها تفاهمات معه، هو تنازل للمحتلّ على حساب الشهداء والمقاومين». وفي الاتّجاه نفسه، يصف القيادي في «عصائب أهل الحق»، جواد الطليباوي، في تصريح إلى «الأخبار»، الزيارة الأميركية المفاجئة وغير المعلَن عنها بأنها «دليل الضعف والخوف الذي يعاني منه المحتلّ الأميركي في بلادنا». ويرى أن «حجّة أميركا في قتال داعش ما هي إلّا محاولة لإضفاء الشرعية على تواجدها غير الشرعي في البلاد»، داعياً رئيس الوزراء إلى التعجيل في تطبيق قرار البرلمان القاضي بإخراج هذه القوّات، ومشدّداً على ضرورة الإسراع في البعث برسالة رسمية إلى مجلس الأمن لإنهاء دور ما يسمّى «التحالف الدولي لمحاربة داعش»، وذلك بعد إعلان العراق رسمياً النصر العسكري على التنظيم عام 2017.
الوزير الأميركي قدّم زيارته كعودة «ظافرة» إلى العراق على جناح الضغط بالدولار


في المقابل، يصف الكاتب والمحلّل السياسي، علي البيدر، مواقف الفصائل من زيارة أوستن للعراق، بأنها «إعلامية لا أكثر، على اعتبار أن السياسة الخارجية التي يتّبعها السوداني جعلتها محرَجة أمام جماهيرها». ويرى البيدر، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الجهات السياسية وحتى الفصائل مكرَهةٌ على الانتقادات التي ساقتها بشأن زيارة وزير الدفاع الأميركي، كي توضح لجمهورها أنها ليست ضمن المشروع الأميركي، وأنها لا تزال على مواقفها الرافضة لوجود الولايات المتحدة والتفاوض مع مسؤولين منها»، معتبراً أن «رفْض الوجود الأميركي حالياً أصبح تجارة سياسية يستخدمها الكثير من الأطراف، بمن فيهم السُنّة والشيعة، لتأزيم المشهد لا أكثر». ويتّفق مدير «مركز الاعتماد للدراسات الأمنية والاستراتيجية»، عماد علو، مع البيدر، في أن «مواقف الفصائل هي لغرض البقاء على كلمتها أمام جماهيرها. لكن بطبيعة الحال، هي تتّفق مع انفتاح حكومة السوداني الإيجابي على الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة». ويلفت علو، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «أميركا تبحث عن شراكات لغرض بقاء قوّاتها في العراق، وكذلك حماية مصالحها ومنشآتها من التهديدات الأمنية والقصف الذي تتعرّض له بشكل متكرّر»، عادّاً «الانتقادات التي تتعرّض لها الحكومة بسبب تقرّبها من واشنطن والمسؤولين الغربيين، هي فقط في إطار الإعلام». ويقول علو: «لا أعتقد أن الحكومة العراقية أو الجانب الأميركي يلقيان بالاً لهكذا مواقف تصعيدية، لا سيما وأن رموز الفصائل وبعض الأجسام السياسية التقت مع مسؤولين غربيين، كالأمين العام للأمم المتحدة وسفيرة الولايات المتحدة وممثّلة الأمم المتحدة جنين بلاسخارات»، مضيفاً أن «البقاء الأميركي في العراق هو أحد اشتراطات واشنطن لدعم حكومة السوداني».