بغداد | ما إن لاحت فرصة قيام حكومة مستقرّة نسبيّاً في العراق يمكن أن تعالج جانباً من الأزمات التي يعانيها المواطنون، حتى زَجّت سلطات إقليم كردستان التي يهيمن عليها «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، الإقليم ومعه كل العراق في أزمة خطيرة ذات بعد إقليمي، من خلال استضافة أربيل أحزاباً كردية - إيرانية مسلّحة تعمل ضدّ طهران. ومع ذلك، لم تَجد هذه السلطات مانعاً من إعلاء صوتها بالتظلّم، إثر تقرير لوكالة «أسوشيتد برس» ذكر أن قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، أَبلغ المسؤولين العراقيين، أثناء زيارته إلى بغداد، بأن بلاده قد تضطر للقيام بعملية بريّة للتعامل مع هذا التهديد الذي يساهم بشكل كبير في تأجيج الاضطرابات داخل الجمهورية الإسلامية
قد يَعتقد بعض قادة إقليم كردستان العراق الذين اعتادوا توريط منطقتهم في مغامرات خطيرة، أن الفرصة سانحة للّعب على وتر التظاهرات التي تشهدها بعض المناطق الإيرانية، ومنها تلك الكردية المتاخمة للإقليم، مستفيدين من ضعْف سيطرة الحكومة المركزية، والذي يتيح لهم هامش حركة واسعاً، علماً أن الأحداث السابقة أَثبتت أن مثل هذه المغامرات ترتدّ بالدرجة الأولى عليهم، وآخرها القصف الإيراني المباشر الذي استهدَف مقارّ للأحزاب الكردية - الإيرانية المعارضة في 13 تشرين الثاني الجاري، وقبله استهداف إيران بالصواريخ قاعدة لـ«الموساد» الإسرائيلي في أربيل في 15 آذار الماضي.
وأثار تقرير لوكالة «أسوشيتد برس» نقل عن مسؤولين عراقيين، قولهم إن قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، أَبلغ قادة العراق الذين التقاهم، بأن طهران ستضطرّ لشن عملية عسكرية بريّة في شمال العراق إذا لم يقم الجيش العراقي بتحصين الحدود، لمنْع تسلُّل عناصر المعارضة الكردية - الإيرانية وتهريب السلاح إلى إيران، مخاوف في الإقليم. وكانت طهران أحجمت، حتى الآن، عن القيام بمثل هذا الهجوم، كما تفعل تركيا التي تنفذّ باستمرار عمليّات بريّة وجويّة ضدّ الأكراد المعارضين لها، وآخرها قصف استهدف مواقع للمقاتلين الأكراد في كل من سوريا وشمال العراق. وانعكست هذه المخاوف في كلام القيادي في «الحزب الديموقراطي»، محمد عامر ديرشوي، الذي أقرّ، في تصريح إلى «الأخبار»، بوجود مقرّات لأحزاب كردية - إيرانية في كردستان العراق، إلّا أنه قال إن تلك الأحزاب «تراعي وضْع حكومة إقليم كردستان، ولا تنطلق بشكل مكثّف من الحدود إلى إيران أو تنفّذ عملياتها في المناطق الحدودية».
ويغتنم «الحزب الديموقراطي» وجوده في الحكومة، وتحديداً في وزارة الخارجية التي يتولّاها القيادي فيه فؤاد حسين، لإدانة القصف الإيراني باسم الحكومة العراقية من دون الرجوع إليها، علماً أن قاآني أَبلغ المسؤولين العراقيين بأن هذا القصف إنما يمثّل دفاعاً عن النفس. ومن هذا المنطلق، انتقد ديرشوي زيارة المسؤول الإيراني إلى العراق، معتبراً أن على طهران التعامل مع العراق من خلال وزارتَي خارجية البلدَين. وطالب بغداد بـ«تدويل هذه القضيّة. فالدولة تتعرّض لقصف مكثّف بصواريخ طويلة المدى وبالطائرات. هذه حرب وليست مجرّد قصف، ثم يأتي التصريح الأخير (التهديد بالهجوم البرّي)». وفي لهجة تستبطن اللعب على الأوتار القومية والطائفية نتيجة تركيبة الحكومة التي ما كان يمكن أن تتشكّل لولا انضمام الأحزاب الكردية والسُنية إليها نظراً إلى خروج «التيار الصدري» من العملية السياسية بسبب الخلافات مع «الإطار التنسيقي»، قال ديرشوي إن «على الدولة العراقية أن تعمل كي لا يشعر المواطن الكردي والسُني في العراق بأنهم مواطنون درجة ثانية».
«الاتحاد الوطني»: إذا شَنّت إيران هجوماً بريّاً، فلن يستطيع أحد إيقافها


وفي ما يمثّل تدخّلاً مباشراً في الشأن الإيراني، أشار القيادي الكردي إلى حادثة وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في الحجز، ليقول إن «الناس لم تصدّق رواية الحكومة الإيرانية، وبالتالي حصلت تظاهرات. وما فعلته الجمهورية الإسلامية أنها قامت بقصف المناطق الحدودية في كردستان العراق... على رغم أنه لم تنطلق طلقة واحدة من حدود إقليم كردستان». وفي شأن زيارة قاآني، اعتبر أن «من المهين للدولة العراقية أن يأتي شخص أو قائد عسكري مرتبط بمكتب المرشد العام ويوجّه تهديداته ويعطي أوامره ويلتقي بأحزاب عراقية. ليس من الجائز للدولة العراقية أن تكون علاقاتها عبر أشخاص هم حقيقة قادة لقوات مسلحة إيرانية داخلية من المفترض أن يكون عملها داخل الحدود الإيرانية. وإقليم كردستان لم يشكّل تهديداً ولن يشكل تهديداً لدول الجوار».
إلّا أن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، يعكس صورة أكثر فداحة لنشاطات الأحزاب الكردية الإيرانية في داخل إيران، ويميّز موقفه عن «الحزب الديموقراطي». وبحسب القيادي فيه، مهند عقراوي، فإن «حسن الجوار وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، هو من مبادئ الأمم المتحدة، وكل دولة عضو في المنظمة ملزَمة بهذا المبدأ. والعراق شرّع هذا المبدأ في دستوره لعام 2005 الذي صوتّت لمصلحته الغالبية الساحقة من الشعب العراقي، ومنه شعب إقليم كردستان الذي صوت بنسبة 90% لمصلحة هذا الدستور الذي نصت المادة الـ7 منه على أن العراق ملزَم بمحاربة التنظيمات الإرهابية وأن لا تكون أراضيه ممراً أو مقرّاً لها. لكن كلاً من الحكومة العراقية وحكومة كردستان لا تمتلكان السلطة الكافية لحماية سيادة البلاد من تدخّلات الدول الأخرى أو من تواجد منظّمات على أراضيها». ويرى عقراوي أن «هناك أموراً تتجاوز طاقة حكومة الإقليم»، متحدّثاً، لـ«الأخبار»، عن «وجود أجندة دولية وإقليمية تقف وراء نشاطات هذه الأحزاب المعارضة للجمهورية الإسلامية، وعلى رأسها أميركا وإسرائيل ودول خليجية تريد استغلال تلك النشاطات لتنفيذ أجندتها في إيران، وحكومة الإقليم لا تستطيع الوقوف في وجه ذلك". وأضاف أن «الأكراد في إيران لديهم قضيّة قوميّة، يضاف إليها تدهور الوضع المعيشي والخدمات، فتُستخدم هذه الأسباب من قِبَل الأحزاب المعارِضة لإشعال الاضطرابات والتظاهرات هناك، كما هي الحال بالنسبة إلى المحافظات السنّية في شرق إيران التي يُستخدم فيها النفس الطائفي لإثارة الاحتجاجات. لذا، فإن حكومة الإقليم لا تؤيّد نشاطات هذه الأحزاب، لكن ضغوطاً دولية وإقليمية تحول دون القيام بأي شيء. ولم يتمكّن الجيش العراقي الذي يسيطر تماماً على سنجار من طرْد حزب العمال الكردستاني من هناك، بسبب الإرادة الدولية. وطبعاً الحكومة العراقية أقوى من حكومة إقليم كردستان». وخلص إلى القول إنه «إذا هدّدت إيران بتدخّل برّي في حال لم تتّخذ حكومة الإقليم الخطوات المناسبة لنزع سلاح الأحزاب المعارِضة لها، فإن أحداً لن يستطيع إيقافها، تماماً مثلما شنّت تركيا هجوماً بريّاً، واحتلّت حتى الآن ما يقرب من 15 - 20% من مساحة محافظة دهوك، وتنفّذ يوميّاً هجمات جويّة على مناطق تواجد الحزب، من دون أن يوقفها أحد».
إذاً، مرّة جديدة يَفتح قادة «الحزب الديموقراطي» الوضع على احتمالات تصعيدية في لحظة دولية غير مناسبة لهم، باعتبار أن من شأن أيّ تدهور للوضع في العراق أن يؤثّر في إمدادات النفط العالمية، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة والغرب حالياً، في ضوء استمرار الكباش مع روسيا في أوكرانيا. وهم أَتقنوا اختيار المواقيت غير المناسبة عبر التاريخ، وآخر تجسيد لذلك كان سقوط الاستفتاء على انفصال الإقليم عام 2017، في ليلة واحدة، بعد سيطرة فصائل عراقية على مفاصل أساسية في مدينة كركوك عطّلت مفاعيل ذلك الاستفتاء، ودفعت ببارزاني إلى الانكفاء عن السياسة في حينه والتخلّي عن رئاسة الإقليم، بعدما اعتُبر سقوط الاستفتاء فشلاً شخصيّاً له. ويَظهر أن مردّ تلك الأخطاء المتكرّرة هو الاعتماد الزائد على إسرائيل وبعض الدول الخليجية التي تسعى إلى التخريب في إيران انطلاقاً من كردستان، من دون اعتبار لتبعات ذلك على الإقليم نفسه.