بغداد | منذ بدء الحكومة الجديدة مهامّها، بإطلاق حملة ضدّ الفساد، برز السؤال عن مدى إمكانية الوصول إلى كبار الفاسدين الذين يمتلكون تأثيراً كبيراً عليها ولهم حصص في داخلها، ولا سيما أن التقارير المتزايدة حول الإجراءات الخاصة بمكافحة الفساد تظلّ دون المأمول، لعدم شمولها، حتى الآن، استعادة الأموال المنهوبة، والتي سبق لمحمد شياع السوداني اعتبارها مقياساً للنجاح. ومن هنا، يشكّك معنيون بالملفّ في قدرة الأخير على تحقيق إنجاز في هذا المجال، ما سيؤدّي عاجلاً أم آجلاً إلى ارتفاع مستوى الاعتراض على حكومته، ولا سيما من المتربّصين بها كـ«التيّار الصدري»
أطلقت الحكومة العراقية الجديدة حملة على الفاسدين في الإدارات الحكومية، فيما تَرِد تقارير يومية عن إجراءات حكومية في هذا الشأن، مِن مِثل قرار المركزي العراقي وقْف التعامل بالدولار الأميركي مع أربعة مصارف، هي: «مصرف الأنصاري الإسلامي للاستثمار والتمويل»، و«مصرف القابض الإسلامي للاستثمار والتمويل»، و«مصرف آسيا العراق الإسلامي للاستثمار والتمويل»، و«مصرف الشرق الأوسط العراقي للاستثمار». وجاء هذا القرار على خلفيّة اتهام بعض المصارف المذكورة بالتورّط في مشروع «بوابة عشتار» الذي يديره علي محمد غلام، والذي أَلزم القضاءُ العراقي «مصرف الرافدَين» الحكومي بدفع 600 مليون دولار له، كشرط جزائي لعدم تطبيق عقْد بين الطرفين حول خدمات الدفع الإلكتروني.
ويُعتبر «مزاد الدولار» الذي تحصل المصارف التجارية عبره على الدولار من البنك المركزي، بناءً على فواتير استيراد تُقدّمها الشركات التجارية، بوّابة رئيسة للفساد، منذ أن طبّقه الاحتلال الأميركي بعد عام 2003. ويقول النائب هادي السلامي، المنتمي إلى لجنة النزاهة النيابية، لـ«الأخبار»، إن «الفساد المالي والإداري شكّل ظاهرة كبيرة، ولا سيما في القطاع المصرفي والبنك المركزي، حيث كانت هناك عمليات كبيرة تتمثّل في تهريب العملة والفواتير المزوّرة وعدم تطبيق المادة 16 من قانون الموازنة الرقم 23 لسنة 2021»، موضحاً أن المادة المذكورة «تطالب مجلس الوزراء بربط النظام المحاسبي والضريبي والجمركي والمصرفي بمزاد العملة، إلّا أن مجلس الوزراء لم ينفّذ الأتمتة التي تمّ الاتفاق عليها، وهذا مؤشّر سلبي»، مضيفاً أن «تجاهُل تطبيق المادة مثّل سبباً رئيساً في عمليات الفساد في البنك المركزي، وكذلك في المصارف المتَّهمة بعمليات توريد وجلْب إيصالات غير رسمية والتلاعب بمزاد العملة لتهريب الأموال من خلال الفواتير المزوَّرة». ويبيّن أن «المصارف تقوم بتحويل أموال طائلة تقع ضمن نشاط الكسب غير المشروع، كما حصل من خلال سرقة تريليونَين و700 مليار دينار (2.5 مليار دولار) من مصرف الرافدَين بالتنسيق مع مصلحة الضرائب التي هي جزء من دوائر وزارة المالية، وكما في قضية بوابة عشتار»، مشدّداً على أن «الحكومة لن تنجح إلّا بعد اعتماد الأتمتة والربط بين الدوائر، ما سيؤدّي إلى تقليص الفساد وحصْر المال العام».
تجاهُل الحكومة تطبيق الأتمتة سبب رئيس في فساد البنك المركزي والمصارف


وتَكرّر، في الآونة الأخيرة، الإعلان عن توقيف مسؤولين في الإدارات الحكومية والمحافظات، عن العمل، أو استدعائهم إلى التحقيق بسبب «ارتكابات مشتبه فيها». كما أحالت لجنة النزاهة النيابية أكثر من عشرة ملفّات فساد إلى «هيئة النزاهة»، تخصّ رئيس «ديوان الوقف الشيعي»، علاء الموسوي، مُهدِّدةً بفتح ملفّات جديدة بحقّه إذا اقتضى الأمر، تشمل مصروفات بملايين الدنانير على مناسبات لم يُقِمها الوقف، ومنها مناسبة حفل ولادة الإمام الحسن. وكانت الحكومة قد باشرت عملها بإقالة عدد كبير من الموظّفين الذين تمّ تعيينهم في فترة تصريف الأعمال لحكومة مصطفى الكاظمي، بداعي أن تلك التعيينات تمثّل مخالفة دستورية. ولكن مع تسجيل إيجابية الخطوات التي يقوم بها رئيسها، محمد شياع السوداني، إلّا أن التشكيك استمرّ في قدرته على تحقيق إنجاز، بسبب التركيبة التحاصصية لحكومته التي تضمّ الكثير من الفاسدين الذين لا يمكن له تقديمهم للمحاكمة. وفي هذا السياق، يؤكد رئيس «تجمع محاربة الفساد»، أحمد الريس، لـ«الأخبار»، أن «الفساد في العراق متجذّر ومُتمأسس ويتمتّع بحماية قصوى من الداخل والخارج. وأصابع الاتهام موجّهة إلى كلّ مَن مارس العمل السياسي»، معتبراً أن «الدليل على تورّط الطبقة السياسية في الفساد، هو المال السياسي والإنفاق الجنوني في كلّ عملية انتخابية». ويرى أن «السوداني لا يستطيع الوصول إلى عدد كبير من اللصوص المحميّين مِمّن منحوه الثقة، وسيلاحق اللصوص المتواجدين في خنادق أخرى»، مضيفاً «(أنّنا) لم نلمس إلى الآن جديّة الحكومة في محاربة الفساد. ولدينا ملفّات لا تصلح للتداول الإعلامي في المرحلة الحالية، لكنّنا سنقدّم إلى الحكومة ملفّات مهمّة إذا ثبت» صدقها.
وسيفتح الفشل في محاربة الفساد، أو استهدافه فئات معيّنة والتغاضي عن أخرى، عاجلاً أم آجلاً، أبواب عودة الاحتجاجات في مواجهة الحكومة، ولا سيما أن «التيار الصدري» الذي لم يكن ليقبل بها، وجد نفسه مجبراً على الصمت عند تأليفها، بسبب ظروف دولية أدّت إلى تشكُّل غالبيّة ضدّه في البرلمان العراقي.