بغداد | لم يعكس حريق مستشفى «ابن الخطيب» في العاصمة العراقية، بغداد، واقعاً صحّياً متردّياً فحسب، بل حمَل تداعيات سياسية قد تفتح الباب أمام تحوُّل في المشهد الانتخابي، نتيجةَ تغيير خريطة التحالفات في المستقبل القريب. وعلى إثر الكارثة التي حلّت ليل السبت ــــ الأحد في وحدة للعناية المركّزة، مخصّصة لعلاج مرضى «كورونا»، أشارت مصادر طبّية عراقية إلى أن الحريق نتج من انفجار سبّبه عدم الالتزام بشروط السلامة المتعلّقة بتخزين أسطوانات الأوكسيجين، فيما ذكر شهود أن أحد مرافقي المرضى لم يمتثل لأوامر الأطباء المرابطين، فعمل على تسخين الشاي داخل غرفة العزل، وهو ما تسبّب بالحريق. وأفاد مصدر في وزارة الصحة العراقية، «الأخبار»، بأن معظم الضحايا لقوا حتفهم لأنهم نُقلوا أو حُرموا من أجهزة التنفّس الاصطناعي، بينما اختنق آخرون بعد استنشاقهم للدخان، ما أدّى إلى مقتل 82 شخصاً وجرح 110. وفنّد المصدر تلك الحصيلة، مشيراً إلى أن عدد المرضى الراقدين في غرفة العزل بلغ 135 شخصاً، يرافق كلّاً منهم شخص واحد على الأقلّ، ليرتفع بذلك عدد الضحايا ــــ بين قتيل ومصاب ــــ إلى 270.ومع مواصلة إخماد ألسنة لهب الحادثة، أطلق عراقيون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي دعوا فيها إلى إقالة وزير الصحة، حسن التميمي (المحسوب على التيار الصدري)، فيما رأى آخرون أن إقالة الوزير وحدها لن تكفي لحلّ أزمة تردّي القطاع الصحّي في البلاد، وأن الأمر يتعلّق بظاهرة فساد سياسي وحكومي أكبر، تجعل جميع الكتل والشخصيات الحاكمة تحمي وزراءها، حتى لو أثبتوا عدم كفاءة، في وقت يتمّ فيه التوزير حسب الانتماءات إلى الكتل السياسية، وليس وفقاً للقدرات، وهو ما ينسحب أيضاً على الحكومة الأخيرة. وبعد أقلّ من 24 ساعة على الحادثة، بادر رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، إلى دعوة فريقه الحاكم إلى جلسة استثنائية لمناقشة تداعيات ما مرّت به العاصمة، لينتهي الاجتماع بكفّ يد الوزير الصدري ومحافظ بغداد والمدير العام لدائرة صحّة الرصافة، وإحالتهم على التحقيق (وكفّ اليد لا يعني الإقالة، وإنما يُعتبر بمثابة إجازة قسرية يُمنح بموجبها المستبعَد نصف مرتّبه). وفي الإطار نفسه، قرّرت محكمة تحقيق الرصافة توقيف مدير المستشفى إلى حين اكتمال التحقيق ومعرفة المقصّرين في الحادثة، ليعقب ذلك توجيه الكاظمي بتشكيل لجنة تحقيق للكشف عن الملابسات، ومن ثمّ تكليفه وزير الداخلية، عثمان الغانمي، برئاسة تلك اللجنة، إلى جانب وزيرَي التخطيط والعدل، ورئيسَي هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية.
يمكن أن تفتح الحادثة الباب أمام إجراء تعديل وزاري يطال الوزارات المحسوبة على «التيار الصدري»


وأعادت حادثة «ابن الخطيب» تسليط الضوء على مشكلتَين سبق أن تعالت التحذيرات منهما، وهما: سوء توزيع الطاقات الطبّية على محافظات العراق وتمركزها في مناطق محدّدة؛ والفساد المالي الذي يلعب دوراً كبيراً في إضعاف الخدمات الصحية، فيما يُضعف الفقر قدرة المواطن على إنفاق المال الكافي للعلاج. ويتّفق مع هذه الخلاصة فريق من النواب يؤكد أن ما جرى في وحدة العناية المركّزة سببه الإهمال المرتبط في أغلب الأحيان بالفساد، وخصوصاً أن غالبية المستشفيات العراقية مضى على تشييدها 50 عاماً، لكن معظمها يفتقر إلى أنظمة حماية وتحصين من الحريق، فضلاً عن الأسقف المستعارة التي سمحت بامتداد النيران إلى مواد شديدة الاشتعال.
وبينما حاول زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، الطامح إلى رئاسة الوزراء في الدورة الانتخابية المقبلة، إضفاء صبغة سياسية على ما جرى في «ابن الخطيب»، بإعرابه عن خشيته من أن تكون الحادثة ضمن حوادث متتالية من أجل أهداف يضمرها بعض مَن سمّاهم «المخرّبين»، ومن زجّ المواطنين في «حرب لا نتيجة لهم فيها»، أكد مصدر سياسي مطّلع، لـ»الأخبار»، أن «الحريق لا يحمل أيّ رسائل سياسية، لكنه قد يفتح الباب أمام إجراء تعديل وزاري جديد يطال تحديداً الوزارات المحسوبة على التيار الصدري»، وهذا ما أشار إليه الصدر نفسه بدعوته إلى ضرورة إقالة وزير الصحة في حال ثبوت تقصيره. وفي محاولة لرفع المسؤولية عن تيّاره على اعتبار أن الحقيبة تدار بأيادٍ «صدرية» منذ زمن، لمّح الصدر إلى أن الكاظمي هو مَن اختار حسن التميمي لحقيبة الصحة ضمن وزارات أخرى «مستقلّة» كان من المفترض أن تكون للكتلة الأكبر، أي «قائمة سائرون» المدعومة من «الصدريين».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا