مشكلة الرئيس محمود أحمدي نجاد مع المرشد علي خامنئي لا تزال تتوالى فصولاً، منذ خرج الخلاف مع وزير الاستخبارات حيدر مصلحي إلى العلن، منتصف نيسان الماضي. المرشد أكد وقتها ضرورة بقاء الوزير في منصبه، وأبلغ ذلك لمصلحي ولنجاد الذي اعتكف في منزله تعبيراً عن استيائه ممّا حصل. مصادر لصيقة بهذا الملف تقول إن «وفداً مؤلفاً من أحد المسؤولين في مكتب خامنئي وأستاذ الأخلاق في الحكومة قد زار نجاد، وأبلغه رسالة واضحة، أن المرشد يأذن له بإجازة عشرة أيام على أن يعود بعدها إلى ممارسة عمله طبيعياً أو يبقى في البيت نهائياً».
وتضيف «مع اقتراب اليوم العاشر، أبدى نجاد رغبته في حضور جلسة مجلس الوزراء، لكنه اشترط عدم حضور مصلحي. بعد مد وجزر، اتُّفق على إيجاد مخرج بإبعاد مصلحي لمرة واحدة. عندها رأس نجاد جلسة الحكومة، وأرسل مصلحي إلى قم بحجة التشاور مع كبار رجالاتها».
وتتابع المصادر نفسها أنه «في الجلسة الثانية يوم الأربعاء، جاء نجاد إلى اجتماع الحكومة فوجد مصلحي قد وصل قبله وأخذ مكانه على الطاولة. فاتفق الرئيس مع أحد الوزراء المقرّبين منه على إبلاغ وزير الاستخبارات أن أحدهم يطلبه على الهاتف خارج القاعة، ففعل. ومع مغادرة مصلحي، أقفل نجاد الباب بالمفتاح وعقد الجلسة من دونه، فكان أن أُبلغ الرئيس بضرورة توجيه دعوة خاصة إلى وزير استخباراته يوم الأحد التالي لحضور الجلسة، فنفّذ ومن ثم غادر نجاد إلى تركيا».
هذا على مستوى خلاف المرشد مع نجاد الذي سعى إلى تبريره بأنه «كان قد زار خامنئي في الأسبوع الذي سبقه، وسأله إن كان يحق له انتقاد القائد، فأبلغه الأخير بأنه يستطيع أن يفعل ما يشاء. وبدأ نجاد يتحدث عن أن علاقته بالمرشد هي كعلاقة الابن بوالده، إلى أن خرج من يبلغه بالتوقف عن هرطقاته تلك، وأن عليه ألا ينسى أبداً أن خامنئي هو المرشد والمرجع، وأن نجاد هو المقلّد، وبالتالي هناك من يأمر وهناك من يجب أن يطيع».
أما على مستوى الحالة التي أوجدها صهر نجاد ومدير مكتبه، اسفنديار رحيم مشائي، فالحبكة لم تتغيّر. لا يزال هذا الأخير يراهن على أن «القيادة، ومن حولها من حرس وباسيج ومسؤولين، لن تجرؤ على مهاجمة نجاد الذي أمضت سنوات حكمه الست الماضية في مدحه. كيف ستبرر انقلابها عليه للناس؟ وفي الوقت نفسه فهي لا تريد أن تقوم بخطوة كهذه لكي تمنع أعداء الداخل والخارج من استغلالها». تضيف المصادر أن «مشائي لا يزال يروّج لمقولة قرب الظهور، وأنه يتواصل مع صاحب العصر والزمان، ما يجعل مبدأ وجود مرشد غير ذي معنى»، مشيرة إلى أنه «بات في حوزة أجهزة الأمن ما يكفي من أدلة على ارتباطات غربية لمشائي، واتصالات وتمويل من قبله للمعارضة في الداخل، فضلاً عن سفرات لا تُعدّ لم تُعلن ولم تُعرف إلا من خلال تقارير الحرس، حيث تجري متابعته عن كثب». وتشدد المصادر على أن «كل هذه الأدلة لم تقنع نجاد بالابتعاد عن مشائي الذي تبيّن أن علاقتهما تمتد إلى سنوات خلت، منذ كان مشائي رئيس استخبارات الحرس في مدينة أروميا (آذربيجانية كردية شمال غرب البلاد). يومها زكّى مشائي نجاد للحصول على منصب محلي أرفع قليلاً من مختار. ومنذ ذلك التاريخ، كان نجاد يسحب معه مشائي كلما ترقّى في منصبه، إلى أن بلغ رئاسة بلدية طهران ومن بعدها رئاسة الجمهورية». ويبدو واضحاً أن الغضب من نجاد يتزايد يوماً يعد يوم، حتى بلغ أخيراً من كان يُعَدّ مرشده الروحي، آية الله محمد تقي مصباح الذي نُقل عنه أمس قوله «يوماً بعد يوم شعرت بوجود خطر كبير... لا أعلم ما إذا كان تنويماً مغنطيسياً أو تأثيراً سلبياً أو علاقات مع ممارسي اليوغا... لكنْ هناك أمر غير طبيعي. هذا الشخص الذي لديه مشكلة (مشائي) أثّر سلباً على هذا السيد (نجاد) ويمسكه بيده».
في المقابل، فإن استعدادات أركان النظام تجري على قدم وساق لمواجهة فتنة مقبلة، سبق لخامنئي أن توقع أن تكون أكبر من فتنة 2009 وأكثر خطراً. وذكرت صحيفة «أرمان» أمس أن نحو ثلاثة آلاف عنصر من ميليشيا الباسيج الإسلامية نفذوا الجمعة في طهران مناورات لتحسين فاعليتهم في مواجهة أي «تمرد» محتمل ضد النظام، فيما أكد قائد الحرس الثوري في طهران الجنرال حسين حمداني أن الاصلاحيين «لا يزالون يتآمرون والتمرد سيتواصل»، مضيفاً أن «الخطر المتواصل الذي علينا التنبّه إليه هو الشيطان الداخلي».
رغم ذلك كله، «لا يزال هناك اقتناع لدى القيادة وكبار ضباط الحرس بأن نجاد لا يزال مطيعاً ولم يخرج بعد من عباءة خامنئي، وأن المشكلة في مشائي»، على ما تفيد به المصادر السالفة الذكر، التي تضيف أن «هؤلاء يؤكدون أن نجاد يمكن إسقاطه بالسهولة نفسها التي جيء به إلى الرئاسة. أما مشائي، فالعمل جار على محاصرته، وآخر الغيث اعتقال نحو 27 من أنصاره والمقرّبين منه».
إلى ذلك، نفت مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في إيران أنباءً تناقلتها بعض وسائل الإعلام عن «إقالة» الرئيس محمود أحمدي نجاد لثلاثة وزراء من حكومته، هم وزراء النفط والصناعة والرعاية الاجتماعية، وقالت إن «ما حصل هو دمج ثلاث وزارات بثلاث وزارات أخرى، النفط بالطاقة والرعاية الاجتماعية بالعمل والصناعة بوزارة التجارة... وهذا لا يُعدّ إقالة وزراء».