خلال الحملة الانتخابية التي سبقت التجديد النصفي في كونغرس الولايات المتحدة في تشرين الثاني الماضي، كان السباق حامياً على مقعد النائبة الديموقراطية غابرييل غيفوردز (40 عاماً)، في ولاية أريزونا، التي تعرضت لإطلاق نار يوم السبت وضعها في حالة حرجة جداً. منافسها الجمهوري جيسي كيلي، الذي كان يحظى بدعم «حزب الشاي» طلب من مناصريه تأييده لإطاحتها عبر مشاركته في إطلاق الأعيرة النارية من بندقية «إم ــ 16»، خلال التجمعات الانتخابية.
أما عرابة المتطرفين الأميركيين، سارة بالين، فقد وضعت غيفوردز على لائحة «الأهداف» التي يجب التخلص منها في الانتخابات، مستخدمة رسماً لمسدسات لوضع إشارات على الأماكن التي يسيطر عليها الديموقراطيون على خريطة الولايات المتحدة ويجب الاستيلاء عليها.
لكن كلّ ذلك لم يدفع غيفوردز، بعدما نجحت بفارق ضئيل، إلى تشديد الحراسة عليها، على اعتبار أنّها تعاطت دوماً مع مواطنين محافظين لم تعجبهم الطريقة التي تصوّت فيها النائبة، وخصوصاً مساندتها لحق المرأة في الإجهاض.
ويوم السبت الماضي، كانت غيفوردز، كعادتها، في أحد اللقاءات مع ناخبيها في مدينة تكسون، وتحديداً في مرأب تابع لأحد المتاجر. وصل المتخرج الجامعي جاريد لوفنر (22 عاماً) إلى منطقة التجمع. ويقول أحد المساعدين السابقين لغيفوردز، ويدعى آلكس فيليك، إنّ لوفنر وصل وطلب مقابلة النائبة. أجابه فيليك بأنّه سيسعدها التحدث معه حين يصل دوره، لأنّها كانت تتحدث مع كل شخص على حدة. تراجع لوفنر، ثم عاد وهجم على الطاولة التي كانت غيفوردز تجلس وراءها. حينها، يقول فيليك إنّه رآه يرفع يده، ثم سمع صوت إطلاق نار. بعدما أطلق النار على النائبة، بدأ باستهداف الناس الموجودين. في المحصلة، توفي ستة أشخاص، بينهم قاض فدرالي وطفلة في التاسعة من العمر، فيما يحاول الأطباء إنقاذ حياة غيفوردز التي أصيبت بطلقة في رأسها. واستطاع الموجودون القبض على لوفنر، فيما تشك الشرطة بأن له شريكاً، وخصوصاً بعد العثور على طرد غير معدّ للتفجير أمام مكتب غيفوردز بعد الجريمة بساعات.
استخدم لوفنر، الذي يقول عنه أصدقاؤه إنّه يحب كتابي «كفاحي» لأدولف هتلر، و«To kill a mocking bird» للكاتبة هاربر لي، مسدس «غلوك» 9 ميليمتر، نصف أوتوماتيكي، مرخّص. وهو وضع على موقع «يوتيوب» منذ تشرين الأول الماضي، أشرطة عدّة، عرض فيها خطياً وتمثيلياً أفكاراً متمردة على النظام والدين والعملة ونمط الحياة وحتى على اللباس والجيش. لبس قناعاً بعد تشويه مظهره، وأحرق العلم الأميركي في الصحراء على خلفية أغنية تسأل «ما العيب فيّ؟». فالجيش الأميركي رفض انخراطه في القوات المسلحة، كما أكد مصدر رسمي عسكري أميركي.
ما حصل فتح نقاشاً عن موضوع السلاح وترخيصه السهل جداً في الولايات المتحدة. في هذا البلد، 250 مليون قطعة سلاح، والبطل في الذهن الأميركي إما رامبو أو جيسي جيمس، وكلاهما سفّاح بالجملة. هناك أكثر من أربع قطع سلاح لكلّ رجل أميركي تجاوز السادسة عشرة من العمر مع ذخائر تكفي لحروب. أربعون في المئة من البيوت الأميركية لديها سلاح مرخّص. فمن يمنع إذا مراهقاً تعرض لأزمة نفسية من حلّ مشاكله بأقصر الطرق؟
هذه الجريمة جعلت كلارينس دوبنيك، رئيس شرطة مقاطعة بيما، التي وقعت فيها الجريمة، يقول بتأثر «لم تعد هذه هي الدولة نفسها التي ترعرع معظمنا فيها، يجب أن نبحث عن ذاتنا». وأضاف «هناك خطاب حقد وعنف، أصبحت أريزونا عاصمته. لقد أصبحنا مقصد التحيّز والتعصب».
ونظراً إلى خلفية لوفنر، يمكن أن تكون الجريمة «جريمة كراهية»، لأنّ غيفوردز من أصول يهودية. وهي بدأت حياتها السياسية ككاتبة في صحيفة «أريزونا جويش بوست» لتروي تاريخ أسرتها. وقالت، في سلسلة مقالاتها، إنّها حفيدة أكيبا هورنشتاين، ابن حاخام ليتواني غيّر اسمه خشية الاضطهاد المسيحي. ساندت دوماً فكرة المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين واشترطت عام 2006 أن يعترف الفلسطينيون أولاً بحق إسرائيل في البقاء «وإلا فمن المستحيل تحقيق السلام». وأثناء توليها منصبها، زارت القدس المحتلة، وقالت بعدها «إنّها إحدى أكثر التجارب التي أتذكرها في حياتي. شاهدت بأم العين التضحيات التي يقدمها الإسرائيليون بسبب حال الخطر القائم هناك. سأكون دوماً السند القوي لإسرائيل».
من جهة ثانية، وعلى المقلب الآخر، خسر الجمهوريون أحد سياسييهم، وهو جون ويلر، الذي خدم في إدارة رونالد ريغان وبوش الأب. ووجدت جثة ويلر (66 عاماً) في مكب للنفايات في ديلاوير في أول يوم من السنة الجديدة، مقتولاً. ويبدو أنّه شوهد قبل أيام من مقتله وهو مشتّت التفكير، كأنّه تائه. وترجح السلطات أن يكون السبب وراء الجريمة شخصياً، وخصوصاً أنّ ويلر رفع دعوى قضائية على جار له يعاني من خلافات معه.