باريس| يعيش الاتحاد الأوروبي سنة ٢٠١١ في ظل رئاسة دورية لدولتين انضمّتا أخيراً للاتحاد، المجر (هنغاريا) في الستة أشهر الأولى وبولندا في النصف الثاني. ويجمع بين هاتين الدولتين كونهما من الكتلة الشيوعية سابقاً وأنهما لا تزالان في خضم مجهودهما لإلحاق اقتصادياتهما بمستوى اقتصاديات الدول الأعضاء الأخرى، مع تباين واضح في عدد متزايد من الملفات، وخصوصاً الدبلوماسية
، إذ تعدّ بودابست ووارسو من أقرب حلفاء واشنطن.
إلا أن تسلم المجر الرئاسة يضع في واجهة قيادة أوروبا زعيماً يوصف بـ«الشعبوي واليمني المتطرف» هو فيكتور أوبان، الذي ينعته أكثر من مسؤول أوروبي بأنه «استفزازي».
ويطرح تستلم أوبان الرئاسة أسئلة عن كيفية تصرفه في حال حصول أزمة اقتصاديّة شبيهة بأزمة إيرلندا أو اليونان، وخصوصاً أنه «رفض» في ربيع السنة الماضية «الوصفات الأوروبية» لتدارك انهيار اقتصاده.
أوبان، المنشقّ السابق إبان عهد الشيوعية، يتمتع بشعبية واسعة، إذ حصد في الانتخابات الأخيرة على رأس حزبه اليميني «فيدسز» ثلثي المقاعد في البرلمان وأوصل إلى رئاسة الجمهورية بال شميت، وذلك على وقع شعارات يمينية شوفينية متطرفة محركها «شعبوية من دون حدود». كذلك هو يقيم تحالفاً سياسياً مع الجبهة اليمينية المتطرفة «جوبيك»، حاملة شعار «المسيحية ـــــ المجر ـــــ العائلة» التي فازت بـ١٦.٨ في المئة من المقاعد تحت شعارات وطنية متطرفة وحاملة لواء «اللاسامية» التي يتوافق حولها الحزبان عموماً.
ويذكر المراقبون أنه في إطار الاستعداد للانتخابات الماضية، خرج النائب أوسزكار مولنار، من ممثلي حزب «فيدسز» في صفوف المعارضة، بتصريح يتّهم «إسرائيل بالرغبة بالسيطرة على المجر والعالم»، في إشارة إلى الجالية اليهودية الكبيرة في بلاده.
وقبل أيام من وصول بودابست للرئاسة الأوروبية، وضع أوبان «وعوده الانتخابية» حيز التنفيذ، ومنها قوانين لتأطير الصحافة وتقييد حريتها، الذي يتناقض صراحة مع معاهدة قبول المجر في الاتحاد الأوروبي. ويقول المراقبون إن المجر، التي تترأس الاتحاد اليوم، «لا تنطبق عليها شروط القبول بعضويته»، ما دفع وزير خارجية اللوكسمبورغ جان أسيلبورن إلى التساؤل «هل يستحق بلد مثل هذا إدارة الاتحاد؟»، في إشارة إلى «الخروقات العديدة لمعاهدة برشلونة» وإلى تعارض القوانين الجديدة مع القوانين الأوروبية الضامنة للحريات الفردية وحرية التعبير.
وقد بدأ الحديث عن تطبيق البند السابع من المعاهدة، الذي يشير إلى إمكان «توجيه إنذار» لدولة عضو وتعليق حقها بالتصويت، وبالتالي فقدان دورها بتولّي منصب الرئاسة، كما حصل سابقاً مع النمسا عندما وصل إلى الحكم اليميني المتطرف يورغ هايدر. إلا أن تطبيق هذا البند يتطلب تصويت ثلتي الدول الأعضاء الـ٢٧، وهو ما يشك المراقبون في إمكانية حصوله، إذ إن ١٩ دولة يحكمها اليمين الأوروبي. كما أن حزب أوبان عضو في تحالف «الحزب الشعبي الأوروبي» ،الذي يضم أيضاً حزب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «تجمع الأغلبية الشعبية» وحزب سلفيو برلوسكوني «فورزا إيطاليا»، إضافة إلى حزب أنجيلا ميركل «الاتحاد المسيحي الديموقراطي».
لم يمنع هذا الرئاسة الأوروبية الجديدة من الإعلان عن شعارها لفترة الستة أشهر المقبلة: «أوروبا قوية». وأطلقت أيضاً لائحة بالملفات التي سوف توليها أولوية، منها أمن الطاقة في ظل الحديث عن ارتفاع جديد لأسعار النفط، وقبول عضوية كرواتيا مع وضع استراتيجية جديدة لدول حوض الدانوب. إلا أن ما سوف يثير عدداً من العواصم الأوروبية هو عودة الحديث عن ملف «فتح جولة جديدة من المفاوضات حول معاهدة برشلونة» وهو ما ترفضه عدة دول بنحو مبرم.
أما الملف الذي يهمّ المجريين خاصةً، رغم أن أوبان يودّ إبعاده عن الواجهة الإعلامية، فهو وضع «الغجر»، إذ إن الاتحاد الأوروبي يخصص لهذه الأقلية الأوروبية ١٠ مليارات يورو سنوياً في محاولة لدمجها في مجتمعاتها، ويؤلّف الغجر نحو ٦ في المئة من سكان المجر (٦٠٠ ألف نسمة)، لكنهم يكوّنون أيضاً «وقوداً لتأجيج شوفينية» أحزاب اليمين المجرية، التي صفقت للإجراءات الفرنسية بطردهم في الصيف الماضي من أراضيها.