نواكشوط | ضجّت موريتانيا في مطلع العام الحالي بفضيحة تجسس غير مسبوقة، تتعلق بتفكيك شبكة سرّية لجهاز «الموساد» الإسرائيلي، كانت تنشط في نواكشوط تحت غطاء الاستثمار في السياحة الصحراوية. وفي تفاصيل القضية التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية، أن هذه الشبكة، التي كُشفت في نهاية كانون الأول الماضي، كانت تضم جواسيس من جنسيات عدّة، بينهم عرب، كانوا يعملون لحساب «الموساد»، من خلال شركة تحمل اسم «بوابة العالم»، هدفها المعلن الترويج السياحي. وافتضحت النشاطات السرّية للشبكة على أثر ضبط رسالة خطية توجّه بها أحد أفرادها إلى السفارة الإماراتية في نواكشوط. ووفقاً لما نقله الإعلام المحلي عن مصادر أمنية، فإن هذا العميل الإسرائيلي، وهو أردني الجنسية، كتب إلى سفارة الإمارات، مقترحاً حمايته ونقله إلى دبي، في مقابل الكشف عن معلومات مهمة بخصوص مقتل القيادي في «حماس»، محمود المبحوح، الذي اغتيل في دبي. وجاء في الرسالة :«أنا المدعو فارس البنا، أردني الجنسية، أعمل مع «الموساد» الإسرائيلي، لدي معلومات تهمكم حول عمليتي قتل المبحوح في دبي، وتفجير الطائرة الإثيوبية في لبنان».
وقالت مصادر مقرّبة من التحقيق الأمني في هذه القضية إن الخيوط الأولى التي أدت إلى تفكيك شكبة التجسس كُشفت بالصدفة، على أثر اعتقال فارس البنا بتهمة مالية لا علاقة لها بشبكة التجسس، وأثناء تفتيش مسكنه من قبل المحققين، عُثر على مسودة رسالة مكتوبة بقلم الرصاص بخط يده موجهة إلى سفارة الإمارات بموريتانيا، ويعرض فيها تسليم نفسه، شرط الالتزام بعدم تسليمه إلى الاستخبارات الأردنية، والإدلاء بمعلومات قال إنها مهمة وسرية عن قضيتي مقتل المبحوح وتفجير الطائرة الإثيوبية.
وتابعت المصادر أن الرسالة التي ضُبطت تضمنت أيضاً تفاصيل عن شبكة تجسس إسرائيلية أخرى، قال البنا إن عميلاً آخر يدعى راشد الفيتوري كُلّف بتأسيسها من أجل اتخاذ موريتانيا قاعدة خلفية لزرع عملاء لـ«الموساد» في السعودية، وذلك تحت غطاء شركة خدمات سياحية متخصصة في رحلات الحج والعمرة. وتبين للمحقيين أن الفيتوري أسس بالفعل شركة من هذا النوع تحمل اسم «المتحدة للخدمات السياحية»، لكنه تمكن من الهرب إلى خارج البلاد فور انكشاف أمر البنا. وقال أحد المحققين إن التحقيق الذي أجرته السلطات الموريتانية أثبت جدّية الموضوع وخطورته. فـ«أثناء تفتيش مقرّ إقامة البنا، عثرنا على جوازي سفر مزورين باسمه، وعشرات بطاقات الائتمان المصرفية، وكميات من الحشيش، وجهاز إلكتروني». وبالرغم من مرور أشهر على انكشاف شبكات التجسس، فإن تفاصيل القضية لا تزال غامضة، إذ لم يُكشف حتى الآن عن حجم الشبكة وعدد أعضائها، وهل تم اعتقالهم جميعاً أم تمكن بعضهم من الهرب.
ورفض مصدر في جهاز أمن الدولة الحديث عن أي تفاصيل بخصوص نتائج التحقيق مع البنا، وإن كان للمحققين قرائن حول ما أشار إليه في رسالته بخصوص العملاء العرب الذين شاركوا في عملية اغتيال المبحوح، ومدى صحة مزاعمه بأن تحطم الطائرة الإثيوبية في بيروت كان عملاً مدبراً من قبل «الموساد». واكتفى بالقول إن «جهاز أمن الدولة قام بعمله في هذه القضية على أحسن وجه».
وتجدر الإشارة الى أن عملاء استخبارات العدو الصهيوني بدأوا بالتغلغل في موريتانيا، خلال التسعينيات، من خلال ربط علاقات مالية مشبوهة مع بعض أبناء عمومة الرئيس الأسبق، معاوية ولد الطايع. وهو ما يفسر إقدام هذا الأخير على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفتح سفارة لها في نواكشوط، بالرغم من الرفض الشعبي الكبير الذي قوبل به ذلك. وبعد إطاحة ولد الطايع، قطعت السلطات الجديدة علاقاتها مع إسرائيل عام 2009، ولم تكتف بذلك، بل أقامت احتفالاً تم خلاله تدمير مبنى السفارة الإسرائيلية بالجرافات وتسويته بالأرض.