أنقرة | تعهد حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، «الشعب الجمهوري، باتباع مسار أكثر اجتماعية وديموقراطية وتحررية، وذلك في ختام مؤتمره الذي استمر ليومين، ووصفته المعارضة الداخلية بأنّه «وداع للاتفاقية الكمالية». وكان الحزب يواجه نزاعات داخلية بين الديموقراطية الاجتماعية المستندة إلى المبادئ الليبرالية وبين الكمالية (نسبة إلى مصطفى كمال الدين أتاتورك) التي تتمسك بجمهورية مبنية على الأصولية العلمانية، والمركزية الإدارية القوية ونكران حقوق الأقليات الأخرى غير الأتراك. وخلال يومي المؤتمر المنعقد في أنقرة، صوّت مندوبو الحزب للمرشحين الى عضوية الجمعية العامة التي تضم 60 عضواً.
وجاءت نتائج الانتخابات متلائمة مع تمنيات زعيم الحزب كمال كليتشدار أوغلو، بحيث تألفت الجمعية من كل المجموعتين المتنازعتين بطريقة متوازنة. وهكذا، فإن قوة الكماليين لن تكون كافية من أجل صدّ سياسات الليبراليين، وفي الوقت نفسه لن يشعروا بأنهم ضعفاء داخل الحزب، وهو ما لن يدفعهم الى المغادرة.
وكان على زعيم الحزب، الذي انتخب رئيساً منذ عام 2010، أن يتعامل ليس فقط مع حزب رجب طيب أردوغان الحاكم «العدالة والتنمية»، بل أيضاً مع المشاكل الداخلية لحزبه. وقد انتخب رئيساً للحزب بعد استقالة دنيز بايكال الذي تزعم الحزب لفترة طويلة قبل أن يضطر الى المغادرة تحت وطأة فضيحة جنسية مصورة.
ومنذ ذلك الحين، عقد حزب الشعب الجمهوري 5 مؤتمرات، انتهت جميعها رويداً رويداً لمصلحة كليتشدار، إلى أن جاء المؤتمر الأخير ليكرس سلطاته داخل الحزب. ويقول الخبير السياسي دنيز زيريك إن «كليتشدار قال في الماضي: لا يدعونني أعمل. لكن من الآن فصاعداً ليس لديه أي حجة لتبرير فشل الحزب، لأنه أشرف بنفسه على عملية انتخاب هذه الجمعية».
ولد كليتشدار في مدينة تونسيلي التي تسكنها غالبية من الأكراد العلويين، وهي معروفة بتمردها ضد حقوق الجمهورية بعد تأسيسها. لكن في جميع الأحوال هو لم يؤكد يوماً أصوله، وعندما كان يُسأل عن ذلك، كان يقول أنا أفتخر بكوني مواطناً تركياً. وخلال المؤتمر، قال إن واحدة من أهم المشاكل التي تواجهها تركيا هي المسألة الكردية، وحزب الشعب الجمهوري هو الوحيد القادر على حلها.
وأشار إلى أن المسألة الكردية هي مثل الجنازة التي لم تدفن منذ 35 عاماً، وحلّها يتطلب شجاعة لا يملكها سوى حزب الشعب الجمهوري، لكنه لم يوضح خارطة الطريق التي يملكها هذا الحزب لحلّ المسألة. لكنه أيّد المرشحين للجمعية العمومية المعروفين بتوجههم الليبرالي لحل المسألة التركية أمثال سزجين تانريكولو، الرئيس السابق لنقابة المحامين في دياربكر، وواحد من المؤسسين لحقوق الانسان في تركيا.
ومن أجل طمأنة الجناح الكمالي في حزبه، ذكر كليتشدار اسم مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك مراراً. لكنه أضاف أن حزب الشعب الجمهوري مبني على أسس الحرية والديموقراطية، وعليه أن يعيد تجديد نفسه بما يتلاءم مع متطلبات العالم الجديد.
ورأى رئيس تحرير صحيفة «ميلليت»، فكرت بيلا، أن «الجمعية العمومية للحزب الآن تتألف بما يتلاءم مع كليتشدار. وكان خطابه أمام المؤتمر مشابهاً للديموقراطية الاجتماعية الأوروبية؛ فقد أكد على المبادئ العامة للديموقراطية الاجتماعية. من الآن فصاعداً سوف نسمع الحزب يتحدث بمصطلحات حديثة».
لكن هناك بعض الخبراء، شأن الصحافية لالي كمال في صحيفة «طرف»، يعتقدون أنه رغم تأسيس فريق جديد للحزب، لكن من الصعب أن يتسلّم السلطة. وقالت لالي إن «كليتشدار وفريقه قد يسمون هذه المرحلة بالتغيير والديموقراطية، لكن هناك العديد من الأسماء داخل الحزب التي تريد الديموقراطية فقط لنفسها، وأن تدافع عن علمانية قوية، ولا تريد علاقات قوية مع الشعب»، مضيفة أنه في حال ارتفاع شعبية الحزب الجمهوري، فإن ذلك سيكون فقط بسبب أخطاء حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وليس بسبب نجاحه الخاص. وأشارت إلى أن «العدالة والتنمية» يتصرف على أساس أنه تعب وسكر من السلطة، مضيفة أنه «لم يعد إصلاحياً وهو يدافع عن الوضع القائم».
لكن جميع الخبراء، بغض النظر عن اختلافهم حول تجديد الحزب الجمهوري وقدرته على أن يكون بديلاً من «العدالة والتنمية»، يتفقون على شيء واحد، وهو أن الانتخابات المحلية المقبلة ستكون اختباراً للحزب الجمهوري، وخصوصاً في إسطنبول.