باريس | في خطوة مفاجئة، أعلنت «الحركة الوطنية لتحرير الأزواد» إلغاء «اتفاقية الاندماج»، التي وقّعتها في 26 أيار الماضي مع حركة «أنصار الدين»، التي يتزعمها الزعيم الطوارقي إياد آغ غالي. وكانت «أنصار الدين» قد سعت، في الأسابيع الأولى لإعلان استقلال الأزواد، في مطلع نيسان الماضي، الى الاستقواء بتحالفها مع شبكات «القاعدة»، لفرض رؤية وهابية متشدّدة تنادي بتطبيق الشريعة في الأراضي الأزوادية. وبعدما استولت على مدينة تمبكتو، في الأيام الأولى الموالية للانفصال، اضطرت لاحقاً إلى الانسحاب منها، إثر تلقيها تهديدات من قبل «مجلس الأعيان»، الذي يضم شيوخ قبائل الطوارق والعرب في المدينة.لكن اتساع رقعة التعاون بين «أنصار الدين» و«القاعدة»، وخصوصاً في منطقة كيدال الحدودية، شكّل مصدر قلق لزعماء الحركة الأزوادية، ودفعهم إلى إطلاق مبادرة الاندماج مع «أنصار الدين»، أملاً بقطع الطريق أمام أي مشاريع غربية للتدخل ضد الانفصاليين الطوارق، في شمال مالي، بحجة محاربة شبكات الإرهاب المتحالفة مع «القاعدة». لكن اتفاقية الاندماج هذه لم تضع حداً للخلافات بين الطرفين، وخصوصاً حيال إصرار «أنصار الدين» على مسألة تطبيق الشريعة. وهي الحجة التي قُدِّمت رسمياً من قبل الحركة الأزوادية لتبرير قرارها الأخير بفك الارتباط.
وجاء في البيان، الذي أُصدر في عاصمة الأزواد، غاو، وحمل توقيع القيادي في الحركة الأزوادية، حمة آغ محمود، بأنّه «حيال تشدّد «أنصار الدين» بخصوص مسألة فرض تطبيق الشريعة في الأزواد، قرر المكتب السياسي للحركة الوطنية لتحرير الأزواد إلغاء اتفاقية الاندماج، التي وُقِّعت في 26 أيار الماضي، وذلك وفاءً للمنهج العلماني الذي تتمسك به الحركة الوطنية الأزوادية».
بدوره، قال وليد آغ شريف، المقرّب من زعيم «أنصار الدين»، إياد آغ غالي، إن «المحادثات بيننا وبين الحركة الوطنية لتحرير الأزواد كانت قد وصلت بالفعل إلى طريق مسدود، بفعل رفضنا التنازل عن مبدأ تطبيق الشريعة. وقُطعت أي اتصالات بين الطرفين، منذ مساء الخميس الماضي. لكننا لم نكن نتوقع إعلان إلغاء اتفاقية الاندماج، بل كنا نأمل أن تُستأنف المباحثات بعد أن تهدأ الأمور بعض الشيء».
وكانت خلافات الرؤى بين «الحركة الأزوادية» و«أنصار الدين» قد برزت منذ بداية التمرد في شمال مالي، حيث طالب «أنصار الدين» بمواصلة المعارك من أجل فرض تطبيق الشريعة في كامل المناطق المالية، بينما اعترضت الحركة الأزوادية على أي نشاط عسكري خارج الحدود التاريخية لموطن الطوارق (الأزواد)، الممتد بين كيدال وتمبكتو وغاو، شمال البلاد. لكن موازين القوى حُسمت، في مطلع نيسان الماضي، لمصلحة الحركة الأزوادية، ما أدى إلى وقف العمليات العسكرية، فور الاستيلاء على غاو، وإعلان انفصال مناطق شمال مالي، واستقلال الأزواد.
ومسألة تطبيق الشريعة ليست نقطة الخلاف الوحيدة بين الطرفين، بحيث تنظر «الحركة الأزواد» بعين الريبة إلى صلات التعاون التي تزداد وثوقاً بين «أنصار الدين» و«القاعدة». ويخشى شيوخ القبائل والزعماء الانفصاليون الطوارق أن تجرّ هذه التحالفات «أنصار الدين» إلى الاشتراك في عمليات عسكرية لـ«القاعدة»، خارج حدود الأزواد. وهو ما يمكن أن يُستعمل من قبل القوى الإقليمية والدولية كحجة للتدخل عسكرياً لإجهاض استقلال الأزواد. ويُعتقد أن هذه الاعتبارات الجيوسياسية لعبت دوراً أكثر أهمية، في دفع الحركة الأزوادية إلى فك الارتباط بـ«أنصار الدين»، من مسألة العلمانية.
وكان لافتاً أن قرار فك الارتباط جاء بعد يومين فقط من اجتماع هام عُقد في ليري، شرق موريتانيا، وضمّ أعيان قبائل «كونتا» و«البرابيش» العربية، التي تشكل ثاني أهم المكوّنات العرقية، بعد الطوارق، في مناطق الشمال المالي. وما أثار قلق الحركة الأزوادية حيال هذا الاجتماع أنه تم تحت إشراف شخصية كاريزمية مرموقة، هو العقيد محمد ولد ميدو؛ أحد الضباط العرب الماليين الأكثر قرباً من الرئيس السابق أمادو توماني توري، ويخشى الانفصاليون الطوارق أن يجنّد قبائل الأزواد العربية في تنظيم عسكري لمحاربة الطوارق. لذا، سارعت إلى التجاوب مع أبرز المطالب التي طرحها اجتماع ليري، وفي مقدمها إخراج « القاعدة» من المنطقة، ووضع حد للهيمنة المتزايدة للقوى الإسلامية الطوارقية، وفي مقدمها «أنصار الدين».