بالرغم من أن تل أبيب لم توفر أي وسيلة، بما فيها نفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، في ما يتعلق بمفاوضات إيران النووية مع الغرب، لم تنتظر مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى، بحسب وصف موقع «يديعوت أحرونوت»، تبلور نتائج الجولة الجديدة من المفاوضات التي تبدأ اليوم في جنيف، حتى تحدد موقفها من مدى نجاح الاستراتيجية الإسرائيلية، بل أقرّت صراحة بأن تل أبيب فشلت في منع التوصل الى اتفاق بين الغرب وإيران، وخاصة أن التقديرات الإسرائيلية تشير الى أن مثل هذا الاتفاق سيتم التوصل اليه في حال لم تستجد أي أزمة غير متوقعة، خلال الجولة الجديدة في جنيف، وعلى أبعد تقدير بعد ذلك بوقت قصير. وعبّرت المصادر الإسرائيلية عن فشل تل أبيب أيضاً في التأثير الجوهري على مضمون الاتفاق، المفترض، بالقول «إننا نواسي أنفسنا على الأقل بأن الاتفاق الجديد يختلف عن الاتفاق الذي كان معروضاً في السابق، ولكننا نعتقد مع ذلك أننا تمكنا عشية التوصل إلى هذا الاتفاق من لفت أنظار العالم إلى البنود المهمة لنا». وبما يحمل الدلالة نفسها، دعت مصادر سياسية أخرى في تل أبيب، في حديث مع الاذاعة الإسرائيلية، الى عدم المبالغة في أهمية الدور الفرنسي، مشيرة الى أن باريس لا تعمل إطلاقاً على إقناع الدول الأخرى بتقليص حجم التسهيلات التي ستُمنح لإيران في إطار الاتفاق الآخذ بالتبلور.
رغم ذلك، أوضحت هذه المصادر أن الموقف الفرنسي خلال جولة المفاوضات الأخيرة مع إيران أدى الى تليين الموقف الإيراني الى حد ما، خاصة في ما يتعلق بقضية مفاعل الماء الثقيل في آراك، لجهة الامتناع عن تشغيله بعد إتمام عملية بنائه. كذلك يسود الاعتقاد في تل أبيب بأن طهران ستوافق خلال جولة المفاوضات التي تبدأ اليوم على تعليق عملية بناء المفاعل.
في السياق نفسه، وليس بعيداً عن نتائج فشل الحملات الإسرائيلية، بما فيها التهويلية، أتى إعلان وزير الخارجية الاميركي جون كيري تأجيل زيارته التي كانت مقررة لتل أبيب، بعد غد الجمعة، بهدف بحث قضية الاتفاق مع إيران، رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد أكد خلال جلسة الحكومة، يوم الأحد الماضي، أن كيري سيصل الى إسرائيل يوم الجمعة.
وكشف كيري بدبلوماسية عن فشل الاتصالات التي تجري بعيداً عن وسائل الإعلام للتوصل الى تفاهم إسرائيلي أميركي في مقاربة البرنامج النووي الايراني، بالقول «أكنّ احتراماً كبيراً لنتنياهو، لكن الاتفاق مع إيران سيقلل الخطر على أمن إسرائيل»، مؤكداً أن نتنياهو مخطئ مع أنه «يملك الحق الكامل في التعبير عن معارضته للاتفاق المحتمل مع إيران». وفي ما يتعلق بزيارته لإسرائيل، أوضح كيري أنه «سيحاول» زيارتها «بعد عيد الشكر، في نهاية الشهر».
ويُشار الى أن الطرف الأميركي يرى أن البديل من الاتفاق مع إيران هو مواصلة الأخيرة تطوير برنامجها النووي من دون أي قيود، في إقرار ضمني باستبعاد الخيار العسكري.
في المقابل، يراهن الطرف الإسرائيلي على أن يؤدي فشل هذه المفاوضات الى فرض المزيد من العقوبات، وأن تدفع مواصلة إيران تطوير برنامجها النووي باتجاه إحراج الطرف الأميركي عبر وضعه أمام خيارين؛ إما اللجوء الى الخيار العسكري، أو تقويض صدقية الرئيس الأميركي باراك أوباما. على أمل أن يدفعه هذا الأمر باتجاه تبني الخيار الأول. لكن في ما يتعلق بالرهان الإسرائيلي الجديد على موسكو، لفت موقع «يديعوت» الى النتائج المتوقعة مسبقاً من هذا الخيار الذي لجأ اليه نتنياهو بعدما سُدّت في وجهه كل الابواب، مشيراً الى أن اللقاء المرتقب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، اليوم في موسكو، لن يفضي على ما يبدو إلى إقناع روسيا بالموقف الإسرائيلي، وبالتالي لن ينجح في إقناع بوتن بتغيير شروط الصفقة المرتقبة مع إيران.
وكما هي الحال في أعقاب كل فشل، وجهت مصادر سياسية إسرائيلية انتقاداتها للخط السياسي، بحسب «يديعوت»، الذي اتبعته الحكومة الإسرائيلية أخيراً، خاصة في ما يتعلق بالهجوم الحاد على كيري، وعلى موقف الإدارة الاميركية في الشأن الإيراني. ورأت هذه المصادر أن هذا الهجوم ألحق بإسرائيل أضراراً، وأكدت أن كيري ليس عدواً لإسرائيل، خاصة أنه ليس المسؤول عن هذه السياسة، وبالتالي لا ينبغي توجيه اللوم اليه. في هذه الأجواء، ذكرت مصادر سياسية في تل أبيب، بحسب الاذاعة الإسرائيلية، أن أقرب المستشارين من الرئيس الاميركي متحمسون للتوصل الى اتفاق أوّلي مع إيران، من أجل تأجيل القرار النهائي في هذا الشأن الى ما بعد فترة ولاية أوباما في البيت الابيض. وأضافت المصادر نفسها، المطلعة على الاتصالات التي تجريها إسرائيل مع الولايات المتحدة، أن الجانب الايراني لاحظ الضعف الاميركي في هذا المجال.