بروكسل | لا حلول في الأفق لدى الاتحاد الأوروبي في بحثه المستمر عن مصادر أخرى لتنويع واردات الطاقة، ولا سيما الغاز الطبيعي، في محاولاته كسر الاعتماد على الغاز الروسي الذي يشكل ما نسبته 30% من مجمل الاستهلاك الأوروبي. والاقتراحات التي خرجت الى العلن منذ بدء الأزمة في أوكرانيا وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، كشحن الغاز الصخري الاميركي الى أوروبا أو إيجاد حلول لجر غاز عراقي الى القارة القديمة، تبقى صعبة التطبيق في المدى المنظور.
على هذا الأساس، لم تخرج القمة الاميركية ـــ الاوروبية الخامسة التي عقدت في بروكسل أمس بحضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري ومنسقة الشؤون الخارجية الأوروبية كاترين أشتون ووزيري الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي للطاقة، بأي جديد سوى الاعتراف بنحو غير مباشر بأن الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي سيبقى الى أن تتمكن القارة القديمة، وخصوصاً الدول السوفياتية السابقة والحديثة العهد في الاتحاد، من إيجاد مصادر دائمة للطاقة تعفيها من الارتباط العضوي بروسيا. وعليه، اقتصر البيان الختامي للقمة على ذكر روسيا من باب التمني بأن تكون العلاقات بشأن الطاقة معها «مبنية على الشفافية وعلى مبدأ فتح الباب أمام تعاون مستمر وآمن يؤدي إلى استمرارية تأمين الطاقة».
وضعت الأزمة الأوكرانية الطرفين أمام أزمة استمرارية تأمين الطاقة

في قمة أمس في بروكسل، سيطرت الأزمة الاوكرانية وتداعياتها على الاتحاد الأوروبي على النقاش بين الأميركيين والأوروبيين الذين أكدوا أن التطورات الاوكرانية وضعت أمام الطرفين «تحديات جمة لجهة استمرارية تأمين الطاقة، ما يدفع باتجاه البحث عن حلول لمواجهة هذه التحديات»، ورأوا أن من الضروري التوجه نحو تنويع مصادر الطاقة. والى أن يحصل ذلك، اتخذت القمة الاميركية ــ الاوروبية مجموعة خطوات لم تصل الى حدود ترجمة المسعى للتخلص من نير الغاز الروسي، وهي بمعظمها خطوات لن تثمر طاقةً إلا بعد وقت طويل ومنها:
ــ اللجوء الى تقنيات الطاقة البديلة (الطاقة النظيفة) والدعوة الى الإسراع في إجراء أبحاث ودراسات لتطوير هذا القطاع.
ــ استيراد الغاز الصخري الاميركي عبر الخط البحري (هدف مباشر وعلى المدى القريب)، لكن في الأمر صعوبة على المدى البعيد نظراً إلى اعتبارات أميركية داخلية تقوم على أساس علاقة الاميركيين بثرواتهم النفطية ورفضهم التفريط بها والاحتفاظ بها للاستهلاك الداخلي.
ــ إجراء تعديلات على مستوى التشريعات بين دول الاتحاد من أجل إنشاء سوق مشتركة للطاقة هدفها تسهيل توزيع هذه المادة على كافة الدول الاوروبية (وأضيف إليها دول الجوار من أجل إفادة أوكرانيا وعدد من دول أوروبا الشرقية من هذه السوق) بأسعار موحدة، وخصوصاً للدول التي تعتمد أكثر من غيرها على الغاز الروسي.
ــ الإسراع في بناء خط أنابيب «نابوكو» لجر الغاز من تركمانستان وآذربيجان وربما من العراق وإيران الى أوروبا عبر شرق تركيا. لكن مشكلة هذا الخط أنه يحتاج إلى سنوات عديدة لبنائه، وأن الغاز الآذري والتركماني غير كافيين على المدى الطويل لتغطية تكاليف بناء الخط إذا لم يضف إليهما الغاز الإيراني والعراقي، وهنا تبرز مشكلة الثقة لدى بعض الدول الاوروبية في الاعتماد على كل من إيران والعراق كمصدرين لنفط أوروبا.
ــ تكثيف الاعتماد على الطاقة النووية كمصدر متجدد للطاقة، ويبدو أن هذا المخرج سيكون الاقرب الى المنطق الاوروبي، نظراً إلى التقنيات العالية التي تملكها أوروبا، وتحديداً فرنسا وألمانيا.
قبل انقلاب المشهد الأوكراني، كانت القمم الاوروبية ــ الاميركة الأربع السابقة بشأن الطاقة تبحث في ضرورة الوصول الى مصادر أخرى للطاقة من أجل التخفيف من الاعتماد على الغاز الروسي على المستوى الاستراتيجي. في القمة الخامسة أمس بات البحث عن هذا الحل حاجة آنية ومصيرية، وربما كانت هذه الحاجة، ولا سيما لدى ألمانيا (40% من الغاز الالماني روسي المصدر، ودول أوروبا الشرقية التي يستورد بعضها كل حاجاته من الغاز من روسيا) وراء عدم اتخاذ الاتحاد الأوروبي مواقف أكثر صدامية مع موسكو في الأزمة الأوكرانية.