باريس ــ الأخبارفي حادثة جديدة تُلاحق مسيرته، كشفت مصادر قضائيّة فرنسية أمس أنّ الشرطة أوقفت في باريس الأكاديمي السويسري والموصوف بأنّه «الداعية الإسلامي المعتدل» طارق رمضان، وذلك لاتهامه بقضايا «اغتصاب وتحرش وعنف جنسي».

وكان رمضان الذي يحظى بشعبية كبيرة في أوساط فرنسية، نظراً إلى دوره الفعال في تأطير التحركات المؤيدة للقضيّة الفلسطينيّة منذ التسعينيّات ومن ثم مع انطلاق «الانتفاضة الثانية»، ولكونه أحد أبرز الرموز المساندة لقضايا الهجرة والساعية إلى معالجة قضايا الإسلام في المجتمعات الغربية، فضلاً عن كونه حفيد مؤسس «جماعة الإخوان المسلمين» حسن البنّا، قد تلقى استدعاءً للاستجواب في مركز للشرطة في باريس. وبعد الاستماع إلى أقواله، تقرر إيداعه السجن الاحتياطي تمهيداً لمثوله أمام قاضي التحقيق في إطار التحريات الأولية بخصوص اتهامات «الاغتصاب والتحرش والاعتداء الجنسي»، الموجّهة إليه من قبل الناشطة النسويّة هندا عياري، ومن قبل امرأة أخرى «تعاني من إعاقة جسدية»، لم تكشف المصادر القضائية عن هويتها.

اغتنم أقطاب «الرجعيين
الجدد» الفرصة لتصفية
حسابات قديمة معه



وقد تفجرت هذه القضيّة التي أثارت ضجة كبيرة في الإعلام الغربي، في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حين تقدمت هندا عياري بدعوى قضائية ضد رمضان، متهمة إيّاه باستدراجها إلى غرفته في فندق باريسي، عام 2012، بحجة إسداء نصائح دينيّة لها، ومن ثمّ اغتنم الفرصة لاغتصابها وتعنيفها، مهدداً بقتلها في حال كشفها ما حدث. ونقلت صحيفة «لوباريزيان» عن عياري قولها في محضر الدعوى إن طارق رمضان «خنقني بقوة، حتى اعتقدت أنني سأموت».
وسبق لهندا عياري التي كانت تتبنى المنهج السلفيّ قبل خلعها النقاب وتحوّلها إلى «ناشطة نسويّة علمانية»، أن سردت بالتفاصيل وقائع اغتصابها في كتاب أصدرته عام 2016، لكنّها لم تذكر فيه طارق رمضان بالاسم. إلا أنّها في تشرين الأول/اكتوبر الماضي قالت إنّها قررت فضحه علناً بتشجيع من آلاف النساء اللواتي قررن الإفصاح عن تعرضهن لاعتداءات ومضايقات جنسيّة، ضمن حملة «#me_too» التي أُطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي إثر فضيحة المنتج هيرفي واينشتاين. وقالت عياري في محضر الدعوى التي رفعتها ضد رمضان، الذي سُرِّبت مقاطع منه للصحف الفرنسية: «بالنسبة إليه، إما أن ترتدي المرأة الحجاب أو تتعرض للاغتصاب»، وهي اتهامات نفاها رمضان قطعياً، إذ أصدر في حينه بياناً صحافياً كذّب فيه «مزاعم» هندا عياري، معلناً أنه رفع دعوى قضائية ضدها بتهمة التشهير والافتراء.
في الأسابيع الأولى التي تلت التسريبات الصحافية بخصوص هذه «الفضيحة»، شكّك كثيرون في صحة الاتهامات الموجهة إلى طارق رمضان. وكان لافتاً أنّ الأوساط «الغارقة في الإسلاموفوبيا» اغتنمت الفرصة لشنّ حملة تجاوزت التهم الموجهة إليه، وسعت إلى التشكيك في صدقية «ما يُسمى الاسلام المعتدل»، واتهمت رمضان بأنّه «وحش أصولي كان يتخفى طوال سنين في ثياب حمْل معتدل».
وكان واضحاً أنّ شخصيات مثل ألان فنكلكروت، وبرنار هنري ليفي، وباسكال بروكنر، وإيريك زمور، وغيرهم من أقطاب «الرجعيين الجدد» الفرنسيين، اغتنموا الفرصة لتصفية حسابات قديمة مع طارق رمضان، خاصة بسبب تأثيره المتزايد في شبان أحياء الضواحي الفرنسية، ومواقفه السياسية المزعجة نظراً إلى دفاعه عن القضية الفلسطينيّة وابتعاده عن التيارات الدينية التقليدية للاقتراب من الأوساط اليسارية المناوئة للعولمة. ومن المعروف أنّه أصدر كتاباً حول الإسلام في الغرب بالاشتراك مع المفكر اليساريّ المرموق ألان غريش، وكتاباً آخر مع عالم الاجتماع المرموق إدغار موران، فضلاً عن مشاركاته المتعددة في «المنتدى الاجتماعي العالمي» المناوئ للعولمة.
وسعت الأوساط اليمينية الفرنسية للإجهاز على رمضان ضمن خطة مبرمجة لإسقاطه، وقد كانت فصولها قد بدأت منذ سنوات، وبالأخص منذ اكتسابه شعبية كبيرة في الضواحي الفرنسيّة على إثر مناظرته التلفزيونيّة الشهيرة مع نيكولا ساركوزي، أثناء الحملة التمهيدية لانتخابات الرئاسة عام 2007.
لكنّ الدعوى التي تقدمت بها عياري سرعان ما تلتها سلسلة من الشكاوى المماثلة، إذ اتهمت سيدة أخرى، طلب القضاء الفرنسي عدم الكشف عن هويتها، رمضان باستغلال الإعاقة التي تعاني منها في الرجلين لاحتجازها ليلة كاملة في غرفته بأحد الفندق في ليون عام 2009، وإرغامها على «ممارسات جنسية عنيفة ومخالفة للطبيعة ومهينة للكرامة الإنسانية». وقد تحدث المحامي إيريك مورين، الذي تولى رفع هذه الدعوى الثانية، عن تفاصيل بدت مريعة بخصوص ما تعرضت له موكلته، قائلاً إنّ الأمر وصل الى حد «تعرية موكلتي بالقوة، والتبول عليها في حوض البانيو، ثم تعليق ملابسها في مكان عالٍ حتى لا تستطيع الوصول اليها، بحكم إعاقتها، لمنعها من الفرار ليلاً من الغرفة أثناء نومه».
في السياق نفسه، قالت صحف فرنسية مثل «لوموند» و«ماريان» و«لوباريزيان» إنّها حصلت على شهادات موثقة لعدة نساء أخريات يتأهبن لتقديم دعاوى اغتصاب وعنف جنسي ضد طارق رمضان. بينما تحدثت صحيفة «لاتريبون دي جنيف» عن اتهامات قديمة طاولته في شبابه، خلال الثمانينيات والتسعينيات، مشيرة إلى أنه اضطر إلى الاستقالة من منصبه كمدرس في إحدى ثانويات جنيف بسبب تورطه في اعتداءات جنسيّة على تمليذات قاصرات.
حيال سلسلة الاتهمات المتتالية الموجهة إليه، التزم رمضان الصمت، مكتفياً ببيان على لسان محاميه، ياسين بوزرو، وصف فيه تلك الاتهامات بأنّها «حملة أكاذيب يشنها خصومي السياسيون». لكن الوقائع والتفاصيل والشهادات التي يجري الحديث عنها قد لا تترك مجالاً للشك بتورطه في ممارسات كهذه، وهذا ربما ما جعل جامعة أوكسفورد تعلّق نشاطة التدريسيّ في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.