لليوم الثاني على التوالي، شهدت إيران تظاهرات مؤيدة لقيادتها ورافضة لـ«الفتنة»، في وقت سجّلت فيه الاحتجاجات المناوئة للحكومة مزيداً من التراجع.
تراجعٌ لم تفلح دعوات المعارضة الموجودة في الخارج و«محبي الشاه»، إلى الآن، في تبديل معطياته، على الرغم من نيلها تشجيعاً كبيراً من قِبل الولايات المتحدة، التي لقيت مواقف رئيسها «التحريضية» مزيداً من الرفض الدولي والإقليمي، وخصوصاً من قِبل روسيا وفرنسا وتركيا، من دون أن يمنع ذلك واشنطن من مواصلة إطلاق التصريحات المعادية لإيران، والتي كان آخرها ادعاء وزارة الخارجية الأميركية، أن لديها «صلاحيات واسعة لمحاسبة المسؤولين عن أعمال عنف أو مراقبة أو سرقة» بحق المتظاهرين في إيران، مخاطِبة من سمّتهم «ضحايا النظام» بقولها: «لن ننساكم». وفيما تواصلت ردود الفعل الرافضة لبحث التطورات الإيرانية في مجلس الأمن الدولي، كررت الإدارة الأميركية إصرارها على الاقتراح المتقدم، آملة الأخذ به «خلال اليومين القادمين». ترافق ذلك مع إعلان وزارة الخزانة فرض عقوبات على خمسة كيانات (مركز أبحاث وأربع شركات) على «صلة ببرنامج إيران للأسلحة».
وخرجت، يوم أمس، في مدن ومحافظات ذات أهمية، كمشهد وشيراز وقم وأصفهان، مسيرات داعمة لقيادة «الجمهورية الإسلامية»، ورافضة لـ«التدخل الخارجي» و«إثارة الشغب».
ولم تُسجّل، في المقابل، تجمعات احتجاجية بارزة، في وقت أعاد فيه القائد العام للجيش الإيراني، اللواء عبد الرحيم موسوي، التأكيد أن بلاده تمكنت من «إخماد الفتنة»، مبدياً، في الوقت نفسه، استعداد قواته للتدخل «إذا لزم الأمر»، وذلك بعدما أعلن قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، أول من أمس، «انتهاء الفتنة».

حضّ بهلوي شركات
التكنولوجيا الأميركية على توفير خدمات للإيرانيين

بالتوازي مع ذلك، أعلنت وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية إلقاء القبض على عناصر «مجموعة إرهابية» كانت تخطط لتنفيذ عمليات تفجير وقتل داخل البلاد، بهدف «الإبقاء على حالة الاضطرابات الأخيرة». وأشارت الوزارة، في بيان، إلى أن عملية الاعتقال، التي وقعت في مدينة بيرانشهر في محافظة أذربيجان الغربية (شمال غرب)، تخللتها مواجهات أدت إلى مقتل 3 من رجال الاستخبارات، و«أحد الإرهابيين»، وإصابة آخرين، ومصادرة أسلحة وقنابل كانت في حوزتهم. وأوضحت أن «هذا الحدث سبقته عملية تفكيك لـ 3 خلايا إرهابية أخرى في غرب البلاد، واعتقال العناصر التابعة لها». وإلى جانب الإعلان المتقدم، برزت تصريحات لافتة للمدعي العام الإيراني، محمد جعفري منتظري، كشف فيها عن «غرفة عمليات»، يقودها أميركي وتضم ممثلين عن منظمة «خلق ودعاة الملكية وبعض القوميين واليساريين» لإثارة الاضطرابات في إيران. وتحدث منتظري، خلال لقاء في مدينة قم، عن أن تلك «الغرفة خططت لتأسيس غرفة عمليات في أربيل العراقية وهيرات الأفغانية ليتم من خلالها تسلّل التكفيريين الدواعش، بالتزامن مع هذه الاضطرابات، إلى داخل الأراضي الإيرانية»، مضيفاً أنه كان الهدف من وراء ذلك «السيطرة على المراكز المهمة وحسم الأمر خلال شهر شباط/ فبراير القادم».
ويوم أمس، حثّ نجل الشاه المخلوع رضا محمد رضا بهلوي شركات التكنولوجيا الأميركية على توفير خدمات اتصالات للإيرانيين. وإذ أشاد بمواقف الرئيس دونالد ترامب، مما يجري في بلاده، أشار بهلوي إلى «(أننا) نحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد كلام. نريد رؤية أفعال ملموسة. يجب أن يكون هذا فورياً...». وحضت المعارِضة الإيرانية، شيرين عبادي، من جهتها، المتظاهرين على البقاء في الشارع، داعية الإيرانيين إلى «التوقف عن دفع فواتير المياه والغاز والكهرباء والضرائب دعماً للمحتجين»، وعلى «سحب أرصدتهم من البنوك الحكومية».
وفيما يغلب على خطاب الشخصيات المعارِضة الموجودة في الخارج حديث «استجداء التدخل الأجنبي»، تصعّد إيران مواقفها وتحركاتها الرافضة لأي تدخل من هذا النوع، مُستقطِبةً في ذلك تأييد أطراف إقليمية ودولية. وبعث السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، غلام علي خوشرو، أمس، برسالَتين متطابقتَين إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دان فيهما محاولات «التدخل الصارخة» من قبل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية الإيرانية، واصفاً تلك المحاولات بأنها «تتناقض مع قواعد القانون الدولي».
على المقلب الخارجي، جددت روسيا، أمس، رفضها اقتراح الولايات المتحدة عقد اجتماع غير عادي لمجلس الأمن الدولي لبحث التطورات الأخيرة في إيران، واصفة ذلك الاقتراح بأنه «ضار ومدمر». وقال نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف، في تصريحات صحافية، «(إننا) لا نرى دوراً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في هذا الشأن»، لافتاً إلى أنه «رغم المحاولات العديدة لتشويه ما يجري فعلاً في إيران»، إلا «(أننا) على ثقة بأن جارتنا وصديقتنا ستتغلب على صعوباتها الحالية». أما تركيا، فكررت على لسان رئيسها، رجب طيب أردوغان، أمس، رفضها «تدخل أشخاص من الخارج في شأن داخلي إيراني». ونقل أردوغان، في مقابلة تلفزيونية، عن نظيره الإيراني، حسن روحاني، تأكيده أن «الوضع سيستقر خلال يوم أو اثنين»، وأنه «ليس هناك ما يدعو إلى القلق». واعتبر أن «بعض الأشخاص من الخارج يثيرون هذا الوضع في إيران»، مؤكداً أن «مثل تلك الاستفزازات ليست مقبولة». بدوره، رفض المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، «أي تدخل يستهدف سلم المجتمع الإيراني واستقراره». وحذر قالين، في مؤتمر صحافي، عقده في أنقرة، من أن «التدخل الخارجي في إيران، من خلال تصريحات وتغريدات على تويتر يصدرها مسؤولون في دول أخرى، سيكون له رد فعل عكسي».
وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد دعا إلى «تبني نوع من التوازن» إزاء إيران «في مثل هذه الظروف»، محذراً من أن «النهج الرسمي الذي تبنته الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهم حلفاؤنا في كثير من النواحي، يكاد يكون نهجاً يقودنا إلى حرب».
(الأخبار)