سددت نتائج الانتخابات البرلمانية صفعةً قوية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولا سيما لطموحه إلى تحويل نظام الحكم إلى رئاسي بعد 13 عاماً كان خلالها رجل تركيا الأول.في المقابل، حلّت هذه الانتخابات «برداً وسلاماً» على حزب «الشعوب الديموقراطي»، الذي تمكن بفوزه بـ 80 مقعداً من تحقيق إنجاز تاريخيّ للأكراد في تركيا.

وفيما يبحث حزب «العدالة والتنمية» حالياً في تشكيل ائتلاف مع أحد الأحزاب الفائزة لتأليف الحكومة، بعد خسارته الغالبية البرلمانية التي مكنته سابقاً من حكم البلاد، ارتفعت أصوات من داخل الحزب، محملةً أردوغان شخصياً مسؤولية الفشل، فيما رأى الإعلام الموالي له أن الشعب التركي يتحمل ثمن هذه الخسارة وتردي وضع الليرة التركية وتراجع الاقتصاد بسبب خياراته، علماً بأن الوضع الاقتصادي بدأ بالتردي منذ عام 2014.
بعد استيعاب الخسارة، طلب رئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو من الحزب شدّ الأحزمة من أجل الانطلاق مجدداً. كذلك فعل أردوغان الذي دعا الأحزاب إلى تشكيل ائتلاف من أجل الحفاظ على الأمن الاقتصادي والسياسي، بعدما بدأ المستثمرون الأجانب يتخوّفون من مستقبل تركيا، عقب التصريحات المتضاربة حول احتمال اللجوء إلى انتخابات مبكرة إذا لم يجرِ التوافق على حكومة ائتلافية.
في هذه الأثناء، أبلغ داوود أوغلو أعضاء حزب «العدالة والتنمية» في اجتماع عقد من أجل التداول بشأن الحكومة المقبلة، أن مؤيدي الحزب يفضلون الائتلاف مع حزب «الحركة القومية»، لكنه اعتبر أن الائتلاف مع حزب «الشعب الجمهوري» يمكن أن يُسهم في إيجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها البلاد. لكنه لمّح إلى أن الحكومات الائتلافية لا يمكنها أن تدوم لوقتٍ طويل بحسب التجارب التركية الماضية، لذلك على الحزب أن يكون جاهزاً لإقامة انتخابات مبكرة. ولفت داوود أوغلو إلى أن قاعدة «الحركة القومية» ترفض تصريحات بهشلي حول أردوغان واعتباره الخاسر الأكبر في الانتخابات الأخيرة. لكنه حرص على التأكيد لأعضاء «العدالة والتنمية»، أن تركيا ستذهب إلى انتخابات جديدة إن عجز الحزب عن تأليف حكومة مع أحد هذه الأحزاب، وأن عليهم تنظيم صفوفهم وإيقاف التصريحات الصحفية من دون علمه، ولا سيما أن تركيا تدخل في مسار معقد ويصعب التنبؤ بنتائجه.
هذه المعطيات تنذر بأن فقدان الثقة سيعوق تأليف الحكومة. ففي أحد استطلاعات الرأي الأخيرة، ظهر أن 48% من الاتراك يؤيدون ائتلافاً بين «العدالة والتنمية» مع «الحركة القومية»، بينما 32% منهم يريد ائتلافاً مع حزب «الشعوب الديموقراطي»، و21% فقط يؤيدون ائتلافاً مع حزب «الشعب الجمهوري». لكن داوود أوغلو نفسه لا يستبعد ائتلافاً مع «الشعوب الديموقراطي»، فيما لا يقبل هذا الأخير بأي ائتلاف مع «العدالة والتنمية» ويطالب باستكمال عملية السلام مع الأكراد. أما خيار داوود أوغلو الثاني بالائتلاف مع «الحركة القومية»، فدونه عقبات عدة، منها تصريحات بهشلي الأخيرة، ولا سيما طلبه إيقاف مسار عملية السلام مع الأكراد. في ظلّ هذه التناقضات لا يمكن حزب «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» تأليف حكومة بمفردهما لكونهما لا يملكان الأصوات اللازمة للحصول على الثقة البرلمانية (276 صوتاً). يرى «الشعب الجمهوري» أن الائتلاف مع حزب «العدالة والتنمية» سيصطدم بعراقيل عدة. فهو يتهم «العدالة والتنمية» بملفات الفساد التي يسعى إلى فتحها والطعن بتبرئة الوزراء الأربعة المتورطين بهذه الفضائح، إلى جانب معارضته لسياسات أردوغان الخارجية.
تبدو ثقة الأحزاب معدومة بحزب «العدالة والتنمية». التجربة معه طوال فترة حكمه تثبت هذا الأمر، فهو لا يلتزم بأقواله، بالإضافة إلى حنث أردوغان بوعوده وانقلابه عليها دائماً. فهل يخرج أردوغان وحزبه من هذا المأزق قريباً؟ وبأي ثمنٍ من التسويات؟