باريس ــ بسّام الطيارةتتناقل الأوساط المقرّبة من الملف الإيراني في العاصمة الفرنسية ما مفاده أن «واشنطن قد بردت همتها في مقاربة مرحلة العقوبات»، بينما باريس ولندن تستعجلان إقرارها. مصدر فرنسي مقرّب من «الشق التقني» للملف النووي الإيراني قال لـ«الأخبار» إن «الولايات المتحدة تدفع في هذا الملف ثمن تهوّرها في الملف الجورجي». وأضاف أن الحرب في القوقاز خلطت أوراق التوافق الدولي، وأرسلت إشارات خاطئة إلى عدد من الدول في العالم في شأن إمكان العودة إلى عصر الحرب الباردة، وبالتالي إمكان «التلاعب على تناقض المصالح بين الغرب وروسيا».
وأشار المتحدث في وزارة الخارجية الفرنسية، فريديريك ديزانيو، إلى «قلق فرنسا المتزايد» من البرناج النووي الإيراني، لا فقط بسبب تقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذريّة، محمد البرادعي، بل بسبب «مجموعة أدلة ومعلومات» بحوزة باريس.
وأكدت مصادر أخرى، لـ«الأخبار»، أن المعلومات الاستخبارية الفرنسية وتحليلها يشيران إلى أن «أهداف البرنامج النووي لا يمكن إلا أن تكون عسكرية». يضاف إلى أن لدى باريس ولندن قناعة ثانية ثابتة بأن «البلبلة السياسية في إسرائيل ليست عائقاً أمام توجيه ضربة إذا ارتأت الأجهزة الأمنية ضرورة لذلك»، وهو ما تتخوّف منه العاصمتان، وتذكّر بحديث الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، خلال القمة الرباعية في دمشق، حين تخوّف من ضربة إسرائيلية، وقال لنظرائه «بعد حصول الضربة، لن يطرح سؤال عن قانونيتها، لأن الكارثة الكبرى تكون قد وقعت».
ويرى أكثر من محلّل أن فرنسا وبريطانيا تريدان «تكبيل» إسرائيل بعقوبات جديدة على إيران «تمنعها من ارتكاب حماقة»، وهو ما يفسّر رغبة التعجيل في استصدار قرار جديد يسمح بتشديد العقوبات الاقتصادية. ولا تستبعد هذه المصادر أن تعمد المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة إلى إقرار سلة عقوبات «يمكنها أن تكون مؤلمة ومؤثرة حتى بغياب إجماع دولي»، وخصوصاً إذا ما انصاعت دول الخليج لضغوط واشنطن وطبّقت تعليمات «خنق عمليات التهريب والتحايل على العقوبات المقررة».
وتنوّه المصادر بـ«الحالة الإماراتية» التي رضخت وشددت الحصار على أعمال الجالية الإيرانية فيها، ما انعكس تراجعاً في حجم أعمال نحو عشرة آلاف شركة إيرانية عاملة فيها، وخصوصاً في دبي، وهو ما نوّه به مساعد وزير الخزينة الأميركية، ستيوارت ليفي، ووصفه بأنه «خطوة في طريق التيقّظ».
ويشير بعض المصادر إلى أن التصلّب الفرنسي تجاه إيران ليس وليد متغيّرات جديدة، بل يعود إلى مطلع السنة الجارية، ويستند إلى «محاولة استباق ضربة أميركية أو إسرائيلية، وتكرار ما حصل في العراق، أي ترك الأحادية الأميركية تقود الغرب إلى الكارثة». ومن هنا، فإن بعض التصلّب والانفتاح في بسط عروض النووي المدني هو محاولة لسحب البساط من تحت أقدام «الذاهبين إلى الحرب».
وتذكّر هذه المصادر بالمناورات البحرية الضخمة التي جرت في المحيط الأطلسي بين البحرية الأميركية والبريطانية والفرنسية تحت عنوان «بريمستون»، والتي تدربت خلالها القوات على تنفيذ حصار بحري ضد إيران. وكشفت عن أن هذه الأساطيل توجهت مباشرة بعد المناورات إلى مياه الخليج تحت قيادة «يو أس أس تيودور روزفلت»، وحملت أعداداً من طائرات «رافال» الفرنسية المقاتلة في إجراء لدفع الجمهورية الإسلامية للانصياع لقرارات الأمم المتحدة والقبول بسلة الحوافز المتبادلة.
المشاركة الفرنسية تهدف، بحسب المصادر، إلى «إشراكها في قرار الحرب في حال حصوله» ومحاولة التأثير على توقيته، بعكس ما حصل في العراق، بسبب مواقف فرنسا المعارضة. ولكن لا يمنع هذا تحوّل الخليج إلى أكبر تجمع قوة عسكري منذ مدة طويلة (حاملات الطائرات «يو أس أس رونالد ريغان» و«يو أس أس أيو جيما» و«يو أس أس أبراهام لينكولن» و«يو أس أس بيليليو» وحاملة الطائرات البريطانية «أتش أم أس أرك رويال» إلى جانب عدد من القطع البحرية الفرنسية، بما فيها الغواصة النووية «أميتيست»)، ما يمكن أن يؤشر إلى أن الأمر «قد يكون أكثر من محاولة ضغط على حكام طهران». إذ إن بعض القوى الغربية، بما فيها ألمانيا، ترى في القرار الأخير ضد إيران «تأكيداً لضرورة تنفيذ طهران القرارات السابقة»، وهو ما يمكن أن يمثّل «حجة أميركية لخطوات قمعية»، بحسب بعض المصادر.
ومن هنا، فإن البعض يرى في التغيّرات الجديدة في مقاربة الملف الأفغاني محاولة «تخفيف الضغط» عن هذه الجبهة للاهتمام بالجبهة الإيرانية، ونقل الثقل العسكري الغربي جنوباً. ويرى بعض الخبراء أن «ضرب المفاعلات النووية الإيرانية من جانب الحلف الأطلسي قد يترك انعكاسات أقل مما لو كانت الضربة من جانب إسرائيل»، لما في ذلك من تداعيات إقليمية لا يمكن حسابها.