نلتقي بعد المطر»، عبارة يتداولها أهالي بيليم خلال موسم الأمطار اليومية، وقد تتحوّل إلى كلمة من الماضي، بفعل الاحتباس الحراري الذي يضرّ غابات الأمازون
بول الأشقر
خرق جسم المنتدى الاجتماعي العالمي، الذي يتظاهر دائماً عشية الافتتاح، شوارع مدينة بيليم الأمازونيّة سلمياً، في تظاهرة ضمت عشرات الآلاف من المشاركين فى المنتدى، الذين قارب عددهم المئة ألف. تظاهرة كانت فلسطين حاضرة فيها، رغم العولمة والأزمة الاقتصاديّة.
في مشهد مليء بالرمزية، لأن بيليم كانت مرفأ لحملتي استعباد، مرة بحق الهنود ومرة أخرى من بعد بحق الأفارقة، انطلقت التظاهرة من مدرجات المرفأ على نهر غواما، بعدما سلّم أفارقة كينيا الأمانة لهنود البرازيل. وعندما دقت الساعة الثالثة والنصف، من دون سابق إنذار لمن يجهل عادات الطقس، أمطرت الدنيا بغزارة. ما العمل خلال الساعة الكاملة التي استمرت على هذه الحال؟ اختفى المتظاهرون بأكثريتهم، وخفضت أصوات الخطابات في كل مجموعة لترتفع أصوات الطبول، التي بدت وحدها، مع الأعلام الأفقية الكبيرة واللافتات، التي تحولت فجأة إلى مظلات احتمى تحتها الناس، قادرة على إمساك جسم التظاهرة كي لا تتفرق، وتلتقي «بعد المطر» نحو الرابعة والنصف.
وبسبب موقع المدينة الجغرافي، الأهمية مركّزة هذه السنة على موضوع الأمازون، هذه الغابة التي تمتد على أجزاء من تسع ولايات برازيلية وعلى أجزاء من 9 من دول أميركا الجنوبية الـ13.
وعندما يؤتى على ذكر الغابة، يتبادر إلى ذهن الناس أن الموضوع سيكون عن الاحتباس الحراري فقط، لكنّ للقصة وجهاً آخر، فبعض صور الشهداء التي ترفعها أمهاتهم تذكّرك أيضاً بمستوى العنف المتفشّي في الولاية، حيث الملاكون الكبار يلجأون إلى ميليشيات مجرمة للقضاء على المحرّضين وترك فلاحين في حالة عبودية.
بدورها، شكّلت فلسطين حالة مميزة في جسم التظاهرة، بالتأكيد بسبب أحداث غزة التي لا تزال في الأذهان: علمها مرفوع لدى جميع المجموعات من دون استثناء. طبع حزب «الشغيلة» البرازيلي الحاكم أعلاماً تطالب بالسلم في الشرق الأوسط، وارتدى أعضاء «منسّقية النضالات» النقابية قميصاً كتب عليه «فلسطين حرة»، وعلّق «الحزب الشيوعي في البرازيل» على مفارق المدينة ملصقات كبيرة طالب فيها بـ«دولة فلسطينية فوراً».
ولكن، يبدو أنها اخترقت أيضاً ضمائر الأفراد، حيث ترى أميركيتين لفّتا العلم الفلسطيني حولهما، ومراهقاً يابانيّاً يحمل ملصقاً صغيراً هو كناية عن مزج بين مشاهد لغيتو فارسوفيا وغيتو غزة يعلوه سؤال: «هل من الحتميّ أن يعيد التاريخ نفسه؟» ورجل مسنّ يتنقل بين الصفوف وهو يحمل صورة كبيرة يختفي وراءها تمثل جورج بوش بين إيهود أولمرت وشمعون بيريز، وقد كتب عليها بالحبر الأحمر «إرهابيون».
يشار إلى أن المنتدى الاجتماعي العالمي، بدأ رسمياً أعماله أمس، وهو يضمّ أكثر من ألفي نشاط. لكنه في الواقع بدأ من قبل، إذ سبقه المنتدى العالمي الثالث للاهوت التحرير والخامس للقضاة.